أي صاحب النعمة على عباده. بيّن سبحانه أنه مع غناه ينعم عليهم ، وان انعامه وإن كثر لا ينقص من ملكه ولا من غناه. ثم أخبر سبحانه عن قدرته فقال : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) أي يهلككم وتقديره : يذهبكم بالإهلاك (وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ) أي وينشىء بعد هلاككم خلقا غيركم يكون خلفا لكم (كَما أَنْشَأَكُمْ) في الأول (مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) تقدموكم (إِنَّ ما تُوعَدُونَ) من القيامة والحساب ، والجنة والنار ، والثواب والعقاب (لَآتٍ) لا محالة (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) بخارجين من ملكه وقدرته (قُلْ) يا محمد لهم (يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) أي على قدر منزلتكم وتمكنكم من الدنيا (إِنِّي عامِلٌ) اخبار عن النبي (ص) أي عامل بما أمرني الله تعالى به (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) أي فستعلمون أيّنا تكون له العاقبة المحمودة في دار السلام عند الله تعالى (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أي لا يظفر الظالمون بمطلوبهم.
١٣٦ ـ ثم عاد الكلام إلى حجاج المشركين ، وبيان اعتقاداتهم الفاسدة ، فقال سبحانه : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ) أي كفار مكة ومن تقدّمهم من المشركين (مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ) أي مما خلق من الزرع (وَالْأَنْعامِ) أي المواشي من الإبل والبقر والغنم (نَصِيباً) أي حظا (فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا) يعني الأوثان ، وإنما جعلوا الأوثان شركاءهم لأنهم جعلوا لها نصيبا من أموالهم ينفقونه عليها ، فشاركوها في نعمهم (فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ) إنهم كانوا يزرعون لله زرعا وللأصنام زرعا ، فكان إذا زكا الزرع الذي زرعوه لله ولم يزك الزرع الذي زرعوه للأصنام جعلوا بعضه للأصنام وصرفوه إليها ، ويقولون : إن الله غني والأصنام احوج ، وإن زكا الزرع الذي جعلوه للأصنام ولم يزك الزرع الذي زرعوه لله لم يجعلوا منه شيئا لله وقالوا : هو غني ، ثم انفقوه على الصنم (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أي ساء الحكم حكمهم هذا.
١٣٧ ـ ثم بيّن سبحانه خصلة أخرى من خصالهم الذميمة فقال : (وَكَذلِكَ) أي وكما جعل أولئك في الحرث والأنعام ما لا يجوز كذلك (زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي مشركي العرب (قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) يعني الشياطين الذين زيّنوا لهم قتل البنات ووأدهنّ أحياء خيفة العيلة والفقر والعار (لِيُرْدُوهُمْ) أي يهلكوهم (وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) أي يخلطوا عليهم دينهم ، ويدخلوا عليهم الشبهات فيه (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ) معناه : ولو شاء أن يمنعهم من ذلك ، أو يضطرّهم إلى تركه لفعل ، ولو فعل المنع والحيلولة لما فعلوه ولكن ذلك مناف للتكليف (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) أي اتركهم ودعهم وافتراءهم ، أي كذبهم على الله تعالى فإنه يجازيهم ، وفي هذا غاية الزجر والتهديد كما يقول القائل : دعه وما اختاره. وفي هذه الآية دلالة واضحة على أن تزيين القتل والقتل فعلهم ، وأنهم في إضافة ذلك إلى الله سبحانه كاذبون.
١٣٨ ـ ثم حكى سبحانه عنهم عقيدة أخرى من عقائدهم الفاسدة فقال : (وَقالُوا) يعني المشركين (هذِهِ أَنْعامٌ) أي مواش : وهي الإبل والبقر والغنم (وَحَرْثٌ) زرع (حِجْرٌ) أي حرام ، عني بذلك الأنعام والزرع الذين جعلوهما لآلهتهم وأوثانهم (لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ) أي لا يأكلها إلّا من نشاء أن نأذن له في أكلها (وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها) يعني الأنعام التي حرموا الركوب عليها وهي : السائبة والبحيرة والحام (وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا) قيل : كانت لهم من أنعامهم طائفة لا يذكرون اسم الله عليها ، ولا في شيء من