شأنها (افْتِراءً عَلَيْهِ) أي كذبا على الله تعالى لأنهم كانوا يقولون : إن الله أمرهم بذلك وكانوا كاذبين به عليه سبحانه (سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ) ظاهر المعنى.
١٣٩ ـ ثم حكى الله سبحانه عنهم مقالة أخرى فقال (وَقالُوا) يعني هؤلاء الكفار الذين تقدم ذكرهم (ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ) يعني البان البحائر والسيّب عن قتادة (خالِصَةٌ لِذُكُورِنا) لا يشركهم فيها أحد من الإناث (وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) أي نسائنا (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً) معناه : وإن يكن جنين الأنعام ميتة (فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ) أي الذكور والإناث فيه سواء. ثم قال سبحانه : (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) أي سيجزيهم العقاب بوصفهم (إِنَّهُ حَكِيمٌ) فيما يفعل بهم من العقاب آجلا ، وفي امهالهم عاجلا (عَلِيمٌ) بما يفعلونه لا يخفى عليه شيء منها وقد عاب الله سبحانه الكفار في هذه الآية من وجوه أربعة ـ أحدها ـ ذبحهم الأنعام بغير اذن الله ـ وثانيها ـ أكلهم على ادعاء التذكية ـ وثالثها ـ تحليلهم للذكور وتحريمهم على الإناث ـ ورابعها ـ تسويتهم بينهم في الميتة من غير رجوع إلى سمع موثوق به.
١٤٠ ـ ثم جمع سبحانه بين الفريقين الذين قتلوا أولادهم ، والذين حرموا الحلال فقال : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ) خوفا من الفقر ، وهربا من العار (سَفَهاً) أي جهلا وتقديره : سفهوا بما فعلوه سفها (بِغَيْرِ عِلْمٍ) وهذا تأكيد لجهلهم وذهابهم عن الصواب (وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ) يعني الأنعام والحرث الذين زعموا أنها حجر (افْتِراءً) أي كذبا (عَلَى اللهِ) سبحانه (قَدْ ضَلُّوا) أي ذهبوا عن طريق الحق بما فعلوه ، وحكموا بحكم الشياطين فيما حكموا فيه (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) إلى شيء من الدين والخير والرشاد.
١٤١ ـ (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ) أي خلق وابتدع لا على مثال (جَنَّاتٍ) أي بساتين فيها الأشجار المختلفة (مَعْرُوشاتٍ) مرفوعات بالدعائم (وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ) يعني ما خرج من قبل نفسه في البراري والجبال من أنواع الأشجار (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ) أي وأنشأ النخل والزرع (مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) أي طعمه (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ) أي وأنشأ الزيتون والرمان (مُتَشابِهاً) في الطعم واللون والصورة (وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) فيها ، وإنما قرن الزيتون إلى الرمان لأنهما متشابهان باكتناز الأوراق في أغصانها (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) المراد به الإباحة وإن كان بلفظ الأمر (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) هذا أمر بإيتاء الحق يوم الحصاد (وَلا تُسْرِفُوا) أي لا تجاوزوا الحد ، إنه خطاب لأرباب الأموال أي لا تسرفوا بأن تتصدقوا بالجميع ولا تبقوا للعيال شيئا (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) ظاهر المعنى.
١٤٢ ـ ١٤٤ ـ ثم عطف سبحانه على ما عده فيما تقدم من عظيم الانعام ببيان نعمته في إنشاء الأنعام فقال : (وَمِنَ الْأَنْعامِ) أي وأنشأ من الأنعام (حَمُولَةً وَفَرْشاً) ويرجع الصفتان إلى الأنعام ، أي من الأنعام ما يحمل عليه ، ومنها ما يتخذ من أوبارها وأصوافها ما يفرش ويبسط (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) أي استحلوا الأكل مما أعطاكم الله ولا تحرموا شيئا منها كما فعله أهل الجاهلية في الحرث والأنعام (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) مضى تفسيره في سورة البقرة. ثم فسر تعالى الحمولة والفرش فقال : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) وتقديره : وأنشأ ثمانية أزواج أنشأ (مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) وإنما أجمل ثم فصّل المجمل لأنه أراد أن يقرر على شيء منه ليكون أشد