والمراد به الأمر ، ويدل على ذلك قوله فيما بعد : الآن خفف الله عنكم ، لأن التخفيف لا يكون إلّا بعد التكليف (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) معناه : ذلك النصر من الله تعالى لكم على الكفار ، والخذلان للكفار ، بأنكم تفقهون أمر الله تعالى وتصدقونه فيما وعدكم من الثواب فيدعوكم ذلك إلى الصبر على القتال والجد فيه ، والكفار لا يفقهون أمر الله ولا يصدقونه فيما وعدكم من الثواب ، ولما علم الله تعالى أن ذلك يشق عليهم تغيرت المصلحة في ذلك فقال : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) الحكم في الجهاد من وجوب قتال العشرة على الواحد ، وثبات الواحد للعشرة (وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) أراد به ضعف البصيرة والعزيمة ولم يرد ضعف البدن ، فإن الذين اسلموا في الإبتداء لم يكونوا كلهم أقوياء البدن ، بل كان فيهم القوي والضعيف ، ولكن كانوا كلهم أقوياء البصيرة واليقين ، ولما كثر المسلمون واختلط بهم من كان أضعف يقينا وبصيرة ، نزل : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ) على القتال (يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) من العدو (وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ) صابرة (يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ) منهم (بِإِذْنِ اللهِ) أي بعلم الله وقيل : بأمره ، فأمر الله تعالى الواحد بأن يثبت لاثنين وتضمن النصرة له عليهما (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) معناه : والله معين الصابرين.
٦٧ ـ ٦٩ ـ (ما كانَ لِنَبِيٍ) أي ليس له ، ولا عهد الله إليه (أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) من المشركين ليفديهم أو يمن عليهم (حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) أي حتى يبالغ في قتل المشركين وقهرهم ليرتدع بهم من وراءهم. قال أبو مسلم : الإثخان : الغلبة على البلدان والتذليل لأهلها يعني حتى يتمكن في الأرض (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) هذا خطاب لمن دون النبي (ص) من المؤمنين الذين رغبوا في أخذ الفداء من الأسرى في أول وقته ، ورغبوا في الحرب للغنيمة ، قال الحسن وابن عباس : يريد يوم بدر ويقول : أخذتم الفداء في أول وقعة كانت لكم من قبل أن تثخنوا في الأرض ، وعرض الدنيا : مال الدنيا لأنه بمعرض الزوال (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) أي تريدون عاجل الحظ من عرض الدنيا والله يريد لكم ثواب الآخرة (وَاللهُ عَزِيزٌ) لا يغلب أنصاره فاعملوا ما يريده منكم لينصركم (حَكِيمٌ) يجري أفعاله على ما توجبه الحكمة ، فصل سبحانه بين ارادة نفسه وارادة عباده (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) إن الكتاب الذي سبق قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) ، والمعنى : لولا ما كتب الله في القرآن أو في اللوح المحفوظ أنه لا يعذبكم والنبي بين أظهركم لعذبكم (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) هذه إباحة منه سبحانه للمؤمنين أن يأكلوا مما غنموه من أموال المشركين (وَاتَّقُوا اللهَ) باتقاء معاصيه (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
٧٠ ـ ٧١ ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى) إنما ذكر الأيدي لأن من كان في وثاقهم فهو بمنزلة من يكون في أيديهم لاستيلائهم عليه (مِنَ الْأَسْرى) يعني اسراء بدر الذين أخذ منهم الفداء (إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً) أي إسلاما وإخلاصا ، أو رغبة في الإيمان وصحة نية (يُؤْتِكُمْ خَيْراً) أي يعطكم خيرا (مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ) من الفداء ، إما في الدنيا وإما في الآخرة (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ذنوبكم (وَاللهُ غَفُورٌ) للذنوب (رَحِيمٌ) عن العباس ابن عبد المطلب : نزلت هذه الآية فيّ وفي أصحابي (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ) معناه : وإن يرد الذين اطلقتهم من الأسارى خيانتك بأن يعدوا حربا لك ، أو ينصروا عدوا عليك (فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ) بأن خرجوا إلى بدر وقاتلوا مع المشركين (فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) أي فأمكنك منهم يوم بدر بأن غلبوا وأسروا ، وسيمكنك منهم ثانيا إن خانوك (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) معناه :