عن الإيمان ، وصبرتم على الكفر (فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) أي لا تعجزونه عن تعذيبكم ، ولا تفوتون بأنفسكم من أن يحلّ بكم عذابه في الدنيا. ثم أوعدهم بعذاب الآخرة فقال : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أي اخبرهم مكان البشارة بعذاب موجع وهو عذاب النار في الآخرة (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) قال الفراء استثنى الله تعالى من براءته وبراءة رسوله من المشركين قوما من بني كنانة وبني ضمرة كان قد بقي من أجلهم تسعة أشهر أمر بإتمامها لهم لأنهم لم يظاهروا على المؤمنين ولم ينقضوا عهد رسول الله (ص) (ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) معناه : لم يضرّوكم شيئا (وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً) أي لم يعاونوا عليكم أيها المؤمنون أحدا من أعدائكم (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) أي إلى انقضاء مدتهم التي وقعت المعاهدة بينكم إليها (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) لنقض العهود.
٥ ـ ٦ ـ ثم بيّن سبحانه الحكم في المشركين بعد انقضاء المدة فقال (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) هي الأشهر الحرم المعروفة ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ، ثلاثة سرد ، وواحد فرد ، وقيل : هي الأشهر الأربعة التي حرم القتال فيها ، فإذا انسلخ الأشهر بانسلاخ المحرم ، لأن المشركين من كان منهم لهم عهد امهلوا أربعة أشهر من حين نزلت براءة ، ونزلت في شوال ، ومن لا عهد لهم فأجلهم من يوم نزول النداء وهو يوم عرفة أو يوم النحر ، إلى تمام الأشهر الحرم خمسون يوما ، فإذا انقضت هذه الخمسون يوما انقضى الأجلان ، وحلّ قتالهم (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) أي فضعوا السيف فيهم حيث كانوا في الأشهر الحرم وغيرها في الحلّ أو في الحرم (وَخُذُوهُمْ) وتقديره : فخذوا المشركين حيث وجدتموهم واقتلوهم (وَاحْصُرُوهُمْ) معناه : واحبسوهم وامنعوهم دخول مكة والتصرف في بلاد الإسلام (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) أي بكل طريق وبكل مكان تظنون أنهم يمرّون فيه ، وضيقوا المسالك عليهم لتتمكنوا من أخذهم (فَإِنْ تابُوا) أي رجعوا من الكفر وانقادوا للشرع (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) أي قبلوا إقامة الصلاة وايتاء الزكاة (فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) أي دعوهم يتصرّفون في بلاد الإسلام ، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) واستدلوا بهذه الاية على أن من ترك الصلاة متعمدا يجب قتله لأن الله تعالى أوجب الإمتناع من قتل المشركين بشرط أن يتوبوا ويقيموا الصلاة ، فإذا لم يقيموها وجب قتلهم (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) معناه : وإن طلب أحد من المشركين الذين أمرتك بقتالهم منك الأمان من القتل بعد الأشهر الأربعة ليسمع دعوتك واحتجاجك عليه بالقرآن فآمنه وبيّن له ما يريد وأمهله حتى يسمع كلام الله ويتدبّره ، وإنما خصّ كلام الله لأن معظم الأدلة فيه (ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) معناه : فإن دخل في الإسلام نال خير الدارين ، وإن لم يدخل في الإسلام فلا تقتله فتكون قد غدرت به ولكن أوصله إلى ديار قومه التي يأمن فيها على نفسه وماله (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) أي ذلك الأمان لهم بأنهم قوم لا يعلمون الإيمان والدلائل فآمنهم حتى يسمعوا ويتدبّروا ويعلموا.
٧ ـ ٨ ـ لما أمر سبحانه بنبذ العهد إلى المشركين بيّن أن العلة في ذلك ما ظهر منهم من الغدر ، وأمر بإتمام العهد لمن استقام على الأمر فقال (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ) أي كيف يكون لهؤلاء عهد صحيح مع اضمارهم الغدر والنكث ، ثم استثنى سبحانه فقال : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي فإنّ لهم عهد عند الله لأنهم لم يضمروا الغدر بك والخيانة لك (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ