ولدتموهم وهم الأولاد الذكور (وَإِخْوانُكُمْ) في النسب (وَأَزْواجُكُمْ) اللاتي عقدتم عليهن عقدة النكاح (وَعَشِيرَتُكُمْ) أي واقاربكم (وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها) أي اكتسبتموها واقتطعتموها وجمعتموها (وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها) أي تخشون أنها تكسد إذا اشتغلتم بطاعة الله تعالى والجهاد (وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها) أي مساكن اخترتموها لأنفسكم ويعجبكم المقام فيها (أَحَبَّ إِلَيْكُمْ) أي آثر في نفوسكم ، وأقرب إلى قلوبكم (مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) أي طاعة الله وطاعة رسوله (وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ) أي ومن الجهاد في سبيل الله (فَتَرَبَّصُوا) أي انتظروا (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) أي بحكمه فيكم على اختياركم هذه الأشياء على الجهاد وطاعة الله إما عاجلا وإما آجلا ، وفيه وعيد شديد (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) مضى تفسيره.
٢٥ ـ ٢٧ ـ لمّا تقدّم أمر المؤمنين بالقتال ذكرهم بعده بما أتاهم من النصر حالا بعد حال فقال : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ) اللام للقسم فكأنه سبحانه أقسم بأنه نصر المؤمنين أي أعانهم على أعدائهم في مواضع كثيرة على ضعفهم وقلة عددهم حثا لهم على الإنقطاع إليه ، ومفارقة الأهلين والأقربين في طاعته ، ورد عن الصادقين عليهمالسلام أنهم قالوا : كانت المواطن ثمانين موطنا ، وروي أن المتوكل اشتكى شكاية شديدة ، فنذر أن يتصدق بمال كثيران شفاه الله ، فلما عوفي سأل العلماء عن حدّ المال الكثير فاختلفت أقوالهم ، فأشير عليه أن يسأل أبا الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى عليهالسلام ـ وكان قد حبسه في داره ـ فأمر أن يكتب إليه ، فكتب : يتصدق بثمانين درهما ، ثم سألوه عن العلة في ذلك ، فقرأ الآية وقال : عددنا تلك المواطن فبلغت ثمانين موطنا (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ) أي وفي يوم حنين (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) أي سرّتكم وصرتم معجبين بكثرتكم ، قال قتادة : وكان سبب انهزام المسلمين يوم حنين أن بعضهم قال حين رأى كثرة المسلمين : لن نغلب اليوم عن قلة ، فانهزموا بعد ساعة وكانوا اثني عشر ألفا (فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً) أي فلم تدفع عنكم كثرتكم سوءا (وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) أي برحبتها والباء بمعنى مع والمعنى : ضاقت عليكم الأرض مع سعتها والمراد : لم تجدوا من الأرض موضعا للفرار إليه (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) أي وليتم عن عدوّكم منهزمين وتقديره : ولّيتموهم أدباركم وانهزمتم (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ) أي رحمته التي تسكن إليها النفس ، ويزول معها الخوف (عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) حين رجعوا إليهم وقاتلوهم والذين ثبتوا مع رسول الله علي والعباس في نفر من بني هاشم (وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها) أراد به جنودا من الملائكة نزلوا يوم حنين بتقوية قلوب المؤمنين وتشجيعهم ولم يباشروا القتال يومئذ ولم يقاتلوا إلّا يوم بدر خاصة (وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالقتل والأسر وسلب الأموال والأولاد (وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) أي وذلك العذاب جزاء الكافرين على كفرهم (ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ) المعنى : ثم يقبل الله توبة من تاب عن الشرك ورجع إلى طاعة الله والإسلام ، وندم على ما فعل من القبيح ، ويجوز أن يريد : ثم يقبل الله توبة من انهزم من بعد هزيمته ، وإنما علّقه بالمشيئة لأن قبول التوبة تفضّل من الله ولو كان واجبا لما جاز تعليقه بالمشيئة (وَاللهُ غَفُورٌ) أي ستار للذنوب (رَحِيمٌ) بعباده.
٢٨ ـ لما تقدم النهي عن ولاية المشركين أزال سبحانه ولايتهم عن المسجد الحرام ، وحظر عليهم دخوله فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) معناه : ان الكافرين انجاس (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) أي فامنعوهم عن المسجد الحرام (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) أي فقرا وحاجة ، وكانوا قد خافوا انقطاع المتاجر بمنع المشركين عن