دخول الحرم (فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ) أي فسوف يغنيكم لله من جهة أخرى ان شاء أن يغنيكم بأن يرغب الناس من أهل الآفاق في حمل الميرة إليكم رحمة منه ونعمة عليكم. قال مقاتل : أسلم أهل نجدة وصنعاء وجرش من اليمن وحملوا الطعام إلى مكة عن ظهور الإبل والدواب ، وكفاهم الله تعالى ما كانوا يتخوفون (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بالمصالح وتدبير العباد وبكل شيء (حَكِيمٌ) فيما يأمر وينهى.
٢٩ ـ ثم بيّن الله سبحانه أن من الكفار من يجوز تبقيته بالجزية فقال : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) يعني الذين لا يعترفون بتوحيد الله ، ولا يقرّون بالبعث والنشور (وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ) يعني ما حرّمه محمد (ص) (وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ) معناه : لا يعترفون بالإسلام الذي هو الدين الحق (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) وصف الذين ذكرهم بأنهم من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ) معناه : عن قدرة لكم عليهم ، وقهر لهم كما يقال : كان اليد لفلان (وَهُمْ صاغِرُونَ) أي ذليلون مقهورون.
٣٠ ـ ٣١ ـ ثم حكى الله سبحانه عن اليهود والنصارى أقوالهم الشنيعة فقال : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) ويدل على أن هذا مذهب اليهود أنهم لم ينكروا ذلك لما سمعوا هذه الآية مع شدة حرصهم على تكذيب الرسول (ص) (وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) معناه : أنهم اخترعوا ذلك القول بأفواههم لم يأتهم به كتاب ولا رسول ، وليس عليه حجة ولا برهان ولا له صحة (يُضاهِؤُنَ) يشابهون (قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني عباد الأوثان في عبادتهم اللّات والعزى ومناة الثالثة الأخرى (مِنْ قَبْلُ) شبّه كفرهم بكفر الذين مضوا من الأمم الكافرة (قاتَلَهُمُ اللهُ) أي لعنهم الله (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) أي كيف يصرفون عن الحق إلى الإفك الذي هو الكذب ، فكأنه قال : لأي داع مالوا إلى ذلك القول (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ) أي علماءهم (وَرُهْبانَهُمْ) أي عبّادهم (أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام أنهما قالا : أما والله ما صاموا ولا صلوا ، ولكنهم احلّوا لهم حراما ، وحرموا عليهم حلالا فاتبعوهم وعبدوهم من حيث لا يشعرون ، وروى الثعلبي بإسناده عن عدي بن حاتم قال : أتيت رسول الله (ص) وفي عنقي صليب من ذهب فقال لي يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك قال : فطرحته ثم انتهيت إليه وهو يقرأ من سورة البراءة هذه الآية : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً) حتى فرغ منها فقلت له : إنا لسنا نعبدهم فقال : أليس يحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه ويحلون ما حرّم الله فتستحلونه؟ قال : فقلت : بلى قال : فتلك عبادتهم (وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) أي اتخذوا المسيح إلها من دون الله (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً) أي معبودا واحدا هو الله تعالى (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي لا تحق العبادة إلّا له ولا يستحق العبادة سواه (سُبْحانَهُ) تنزيها له (عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي عن شركهم وعما يقولونه وعما لا يليق به.
٣٢ ـ ٣٣ ـ ثم أخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار من اليهود والنصارى أنهم (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ) وهو القرآن والاسلام (بِأَفْواهِهِمْ) لأن الاطفاء يكون بالأفواه وهو النفخ ، وهذا من عجيب البيان مع ما فيه من تصغير شأنهم ، وتضعيف كيدهم ، لأن الفم يؤثر في الأنوار الضعيفة دون الأقباس العظيمة (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) معناه : ويمنع الله إلّا أن يظهر أمر القرآن وأمر الإسلام (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) أي على كره من الكافرين (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) محمدا وحمله الرسالات التي يؤدّيها إلى أمته (بِالْهُدى) أي بالحجج والبينات والدلائل والبراهين (وَدِينِ الْحَقِ) وهو الإسلام ، وكل دين سواه باطل يستحق به العقاب (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) معناه : ليعلي دين الإسلام على جميع الأديان بالحجة