محمد (ص) ، أي القى في قلبه ما سكن به وعلم أنهم غير واصلين إليه (وَأَيَّدَهُ) أي قوّاه ونصره (بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) أي بملائكة يضربون وجوه الكفار وأبصارهم عن أن يروه (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى) معناه : أن الله سبحانه جعل كلمتهم نازلة دنية ، وأراد به أنه سفل وعيدهم للنبي (ص) وتخويفهم إياه وأبطله بأن نصره عليهم ، فعبّر عن ذلك بأنه جعل كلمتهم السفلى (وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) أي هي المرتفعة المنصورة (وَاللهُ عَزِيزٌ) في انتقامه من أهل الشرك (حَكِيمٌ) في تدبيره.
٤١ ـ ٤٢ ـ ثم أمر سبحانه بالجهاد وبيّن تأكيد وجوبه على العباد فقال : (انْفِرُوا) أي اخرجوا إلى الغزو (خِفافاً وَثِقالاً) أي شبانا وشيوخا عن الحسن ومجاهد وعكرمة وغيرهم ، وقيل : نشاطا وغير نشاط عن ابن عباس وقتادة وقيل : مشاغيل وغير مشاغيل عن الحكم ، وقيل : اغنياء وفقراء عن أبي صالح ، وقيل : أراد بالخفاف أهل العسرة من المال وقلة العيال وبالثقال أهل الميسرة في المال وكثرة العيال عن الفراء ومعناه : أخرجوا إلى الجهاد خفّ عليكم أو شقّ على أيّ حالة كنتم ، وان أحوال الإنسان لا يخلو من أحد هذه الأشياء (وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) وهذا الجهاد بالنفس والمال واجب على من استطاع بهما ومن لم يسطع على الوجهين فعليه أن يجاهد بما استطاع (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) معناه : ان الخروج والجهاد بالنفس والمال خير لكم من التثاقل وترك الجهاد إلى مباح (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ان الله عزّ اسمه صادق في وعده ووعيده وقيل : معناه ان كنتم تعلمون الخير في الجملة فاعلموا ان هذا خير قال السدي : لما نزلت هذه الآية اشتدّ شأنها على الناس فنسخها الله تعالى بقوله (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى) الآية (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً) معناه : لو كان ما دعوتهم إليه غنيمة حاضرة (وَسَفَراً قاصِداً) أي قريبا هيّنا (لَاتَّبَعُوكَ) طمعا في المال (وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) أي المسافة ، يعني غزوة تبوك أمروا فيها بالخروج إلى الشام (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) معناه : ان هؤلاء سيعتذرون إليك في قعودهم عن الجهاد ويحلفون لو استطعنا وقدرنا وتمكّنا من الخروج لخرجنا معكم. ثم أخبر سبحانه أنهم (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) باليمين الكاذبة والعذر الباطل لما يستحقون عليها من العقاب (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) في هذا الإعتذار والحلف ، وفي هذه دلالة على صحة نبوة نبينا (ص) إذ أخبر به (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) في التخلّف عنك (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) أي حتى تعرف من له العذر منهم في التخلف ومن لا عذر له فيكون اذنك لمن اذنت له على علم.
٤٤ ـ ٤٥ ـ ثم بيّن سبحانه حال المؤمنين والمنافقين في الإستئذان فقال (لا يَسْتَأْذِنُكَ) أي لا يطلب منك الاذن في القعود عن الجهاد معك بالمعاذير الفاسدة (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) والمعنى : في أن يجاهدوا (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) قال ابن عباس : هذا تعيير للمنافقين حين استأذنوه في القعود عن الجهاد ، وعذر للمؤمنين في قوله : (لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ) في التأخر عن الجهاد ، والتخلف عن القتال معك (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) أي لا يصدّقون به (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يعني البعث والنشور (وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ) أي اضطربت وشكّت (فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) فهم في شكهم يذهبون ويرجعون والتردد : هو التصرف بالذهاب والرجوع مرّات متقاربة مثل التحير وأراد به المنافقين أي يتوقعون الاذن لشكهم في دين الله وفيما وعد المجاهدين ولو أنهم كانوا مخلصين لوثقوا بالنصر وبثواب الله فبادروا إلى الجهاد ولم يستأذنوك فيه.
٤٦ ـ ٤٨ ـ ثم أخبر سبحانه عن هؤلاء المنافقين فقال (وَلَوْ