ابراهيم واسمعيل ، وهم كانوا أصحاب غارات وحروب فربما كان يشقّ عليهم ان يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغزون فيها فكانوا يؤخرون تحريم المحرّم إلى صفر فيحرّمونه ويستحلّون المحرّم فيمكثون بذلك زمانا ثم يزول التحريم إلى المحرّم ، قال ابن عباس : ومعنى قوله (زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) : أنهم كانوا احلّوا ما حرّم الله ، وحرموا ما أحلّ الله (يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي يضل بهذا النسيء الذين كفروا ومن قرأ بضم الياء فمعناه : يضلون به غيرهم ، واضلالهم : أنهم فعلوا ذلك ليحللوا للناس الأشهر الحرم التي حرّم الله القتال فيها وأوجب الحج في بعضها ، فيستحلون ترك الحج في الوقت الذي هو واجب فيه ، ويوجبونه في الوقت الذي لا يجب فيه (يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً) أي يجعلون الشهر الحرام حلالا إذا احتاجوا إلى القتال فيه ويجعلون الشهر الحلال حراما ويقولون : شهر بشهر وإذا لم يحتاجوا إلى القتال لم يفعلوا ذلك (لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) معناه : انهم لم يحلّوا شهرا الحرم إلّا حرّموا مكانه شهرا من الحلال ولم يحرّموا شهرا من الحلال إلّا أحلّوا مكانه شهرا من الحرم ليكون موافقة في العدد وذلك المواطأة (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ) أي زينت لهم أنفسهم ، أو زين الشيطان سوء أعمالهم (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) مرّ تفسيره.
٣٨ ـ ٣٩ ـ ثم عاتب سبحانه المؤمنين في التثاقل عن الجهاد فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ) أي إذا دعاكم رسول الله (ص) وقال لكم (انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي اخرجوا إلى مجاهدة المشركين ، وهو ههنا غزوة تبوك (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) أي تثاقلتم وملتم إلى الإقامة في الأرض التي أنتم عليها (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) هذا استفهام يراد به الإنكار ومعناه : آثرتم الحياة الدنيا الفانية على الحياة في الآخرة الباقية في النعيم الدائم (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) أي فما فوائد الدنيا ومقاصدها في فوائد الآخرة ومقاصدها إلّا قليل لانقطاع هذه ودوام تلك ، ثم عقبه سبحانه بالتهديد والوعيد فقال : (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) ومعناه : ان لا تخرجوا إلى القتال الذي دعاكم إليه الرسول ، وتقعدوا عنه يعذبكم الله عذابا أليما مؤلما في الآخرة (وَيَسْتَبْدِلْ) بكم (قَوْماً غَيْرَكُمْ) لا يتخلّفون عن الجهاد وهم الذين أسلموا بعد نزول هذه الآية (وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً) معناه : ولا تضروا الرسول شيئا لأن الله عصمه من جميع الناس ، وينصره بالملائكة أو بقوم آخرين من المؤمنين (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فهو القادر على الإستبدال بكم وعلى غير ذلك من الأشياء.
٤٠ ـ ثم اعلمهم الله سبحانه أنهم إن تركوا نصرة رسوله لم يضرّه ذلك شيئا كما لم يضره قلة ناصريه حين كان بمكة وهمّ به الكفار فتولى الله نصره فقال : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) معناه : إن لم تنصروا النبي (ص) على قتال العدوّ فقد فعل الله به النصر (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) من مكة فخرج يريد المدينة (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ) ليس معهما ثالث ، أي وهو أحد اثنين ومعناه : فقد نصره الله منفردا من كل شيء والغار : الثقب العظيم في الجبل ، وأراد به هنا منفردا من كل شيء والغار : الثقب العظيم في الجبل ، وأراد به هنا غار ثور وهو جبل بمكة (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ) إذ يقول الرسول لأبي بكر (لا تَحْزَنْ) أي لا تخف (إِنَّ اللهَ مَعَنا) يريد أنه مطلع علينا عالم بحالنا. قال الزهري : لما دخل رسول الله وأبو بكر الغار ، أرسل الله زوجا من حمام حتى باضافي أسفل الثقب ، والعنكبوت حتى نسج بيتا ، فلما جاء سراقة بن مالك في طلبهما فرأى بيض الحمام وبيت العنكبوت قال : لو دخله أحد لانكسر البيض ، وتفسخ بيت العنكبوت ، فانصرف. وقال النبي (ص) : اللهمّ أعم أبصارهم فعميت أبصارهم عن دخوله وجعلوا يضربون يمينا وشمالا حول الغار (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) يعني على