جَمِيلٌ) أي فأمري صبر جميل لا جزع معه (عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً) أي عسى الله أن يأتيني بيوسف وابن يامين (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ) بعباده (الْحَكِيمُ) في تدبير الخلق (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ) أي انصرف وأعرض عنهم بشدة الحزن لما بلغه خبر حبس ابن يامين ، وهاج ذلك وجده بيوسف لأنه كان يتسلى به (وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) أي يا طول حزني على يوسف (وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ) والبكاء ، ولما كان البكاء من أجل الحزن أضاف بياض البصر إليه (فَهُوَ كَظِيمٌ) والكظيم ههنا بمعنى الكاظم : وهو المملوء من الهم والحزن ، الممسك للغيظ لا يشكوه لأهل زمانه ، (قالُوا) أي قال ولد يعقوب لأبيهم (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) أي لا تزال تذكر يوسف (حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً) أي دنفا قريبا من الموت (أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ) أي الميتين ، وإنما قالوا ذلك إشفاقا عليه ، وعطفا ورحمة له (قالَ) يعقوب في جوابهم (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي) أي همّي (وَحُزْنِي إِلَى اللهِ) المعنى : إنما أشكو حزني وحاجتي (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) أي واعلم صدق رؤيا يوسف ، واعلم أنه حيّ ، وأنكم ستسجدون له كما اقتضاه رؤياه (يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ) ابن يامين (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ) أي لا تقنطوا من رحمته (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) قال ابن عباس : يريد أن المؤمن من الله على خير يرجوه في الشدائد والبلاء ، ويشكره ويحمده في الرخاء والكافر ليس كذلك.
٨٨ ـ ٩٢ ـ ولما قال يعقوب لبنيه اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه خرجوا إلى مصر (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ) أي على يوسف (قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ) أي أصابنا ومن يختص بنا الجوع والحاجة والشدة من السنين الشداد القحاط (وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ) أي ندافع بها الأيام ونتقوتها ، وليست مما يتسع به ، وقيل : رديئة لا تؤخذ إلّا بوكس ، وقيل : دراهم فسول عن سعيد بن جبير ، وقيل كانت أقطا عن الحسن وقيل : النعال والأدم عن الضحاك (فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ) كما كنت توفي في السنين الماضية ولا تنظر إلى قلة بضاعتنا في هذه السنة (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا) أي سامحنا (إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) أي يثيبهم على صدقاتهم بأفضل منها (قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ) ومعناه : أنه قال لهم : هل علمتم ما فعلتم بيوسف من اذلاله وإبعاده عن أبيه ، وإلقائه في البئر ، والإجتماع على قتله ، وبيعه بثمن وكس ، وما فعلتم بأخيه من إفراده عن يوسف ، والتفريق بينهما حتى صار ذليلا فيما بينكم ، لا يكلمكم إلّا كما يكلم الذليل العزيز ، وإنما لم يذكر أباه يعقوب مع عظم ما دخل عليه من الغم لفراقه تعظيما له ، ورفعا من قدره ، وعلما أن ذلك كان بلاء له ليزداد به علو الدرجة ، ورفعة المنزلة عند الله تعالى (إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) أي صبيان ومعناه : فعلتم ذلك حين كنتم جاهلين جاهلية الصبي في عنفوان الشباب حين يغلب على الإنسان الجهل ، ولم ينسبهم إلى الجهل في حال الخطاب لأنهم كانوا تائبين نادمين في تلك الحال ، وكان هذا تلقينا لهم لما يعتذرون به إليه ، وهذا هو الغاية في الكرم إذ صفح عنهم ، ولقّنهم وجه العذر (قالُوا) له (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) قيل : رفع التاج عن رأسه فعرفوه (قالَ أَنَا يُوسُفُ) أظهر الإسم ولم يقل أنا هو تعظيما لما وقع به من ظلم إخوته فكأنه قال : أنا المظلوم المستحل منه المحرم ، المراد قتله (وَهذا أَخِي) وهذا المظلوم كظلمي (قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا) بالإجتماع بعد طول الفرقة (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ) أي يتق الله (وَيَصْبِرْ) على المصائب وعن المعاصي (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) أي أجر من كان هذا حاله والضياع : ذهاب الشيء من غير عوض (قالُوا تَاللهِ) أي أقسموا بالله سبحانه (لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) أي فضلك واختارك الله علينا بالحلم والعلم والعقل والحسن والملك (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) أي ما