التخييب ، أي بما خيبتني من رحمتك لأخيبنهم بالدعاء إلى معصيتك ، وتقديره : لأزينن الباطل لهم ، أي لأولاد آدم ، ثم استثنى من جملتهم فقال (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) وهم الذين أخلصوا عبادتهم لله ، وامتنعوا عن عبادة الشيطان ، وانتهوا عما نهاهم الله عنه (قالَ) الله سبحانه (هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) انه على وجه التهديد له كما تقول لغيرك : افعل ما شئت وطريقك علي ، أي لا تفوتني ، ومثله قوله : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) هذا إخبار منه تعالى بأن عباده الذين يطيعونه وينتهون إلى أوامره لا سلطان للشيطان عليم ، ولا قدرة له على أن يكرههم على المعصية ويحملهم عليها ، ولكن من يتبعه فإنما يتبعه باختياره ثم استثنى سبحانه من جملة العباد من يتبع إبليس على إغوائه ، وينقاد له ، ويقبل منه فقال (إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) لأنه إذا قبل منه صار له عليه سلطان بعدوله عن الهدى إلى ما يدعوه إليه من اتباع الهوى (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) أي موعد إبليس ومن تبعه (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ) روي عن أمير المؤمنين (ع) ان جهنم لها سبعة أبواب أطباق بعضها فوق بعض ، فأسفلها جهنم ، وفوقها لظى ، وفوقها الحطمة ، وفوقها سقر ، وفوقها الجحيم ، وفوقها السعير ، وفوقها الهاوية. وروي عن الضحاك قال : للنار سبعة أبواب ، وهي سبعة أدراك ، بعضها فوق بعض ، فأعلاها فيه أهل التوحيد ، يعذبون على قدر أعمالهم وأعمارهم في الدنيا ثم يخرجون.
قوله : (لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ) أي من الغاوين (جُزْءٌ مَقْسُومٌ) أي نصيب مفروض ، عن ابن عباس.
٤٥ ـ ٥٠ ـ لما ذكر سبحانه عباده المخلصين ، عقّبه بذكر حالهم في الآخرة فقال (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) الذين يتقون عقاب الله باجتناب معاصيه (فِي جَنَّاتٍ) أي في بساتين خلقت لهم (وَعُيُونٍ) من ماء وخمر وعسل يفور من الفوارة ثم يجري في مجاريها (ادْخُلُوها بِسَلامٍ) أي قال لهم : ادخلوا الجنات بسلامة من الآفات ، وبراءة من المكاره والمضرات (آمِنِينَ) من الإخراج منها (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) أي وأزلنا عن صدور أهل الجنة ما فيها من أسباب العداوة من الغل : أي الحقد والحسد ، والتنافس والتباغض (إِخْواناً) أي وهم يكونون إخوانا متوادين ، يريد مثل الإخوان فيصفو لذلك عيشهم (عَلى سُرُرٍ) أي كائنين على مجالس السرور (مُتَقابِلِينَ) متواجهين ينظر بعضهم إلى وجه بعض (لا يَمَسُّهُمْ فِيها) أي في الجنة (نَصَبٌ) أي عناء وتعب لأنهم لا يحتاجون إلى إتعاب أنفسهم لتحصيل مقاصدهم ، إذ جميع النعم حاصلة لهم (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) أي يبقون فيها مؤبدين ثم أمر سبحانه نبيه (ص) أن يخبر عباده بكثرة عفوه ومغفرته ورحمته لاوليائه ، وشدة عذابه لأعدائه فقال (نَبِّئْ) يا محمد (عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ) أي كثير الستر لذنوب المؤمنين (الرَّحِيمُ) كثير الرحمة لهم (وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) فلا تعولوا على محض غفراني ورحمتي ، وخافوا عقابي ونقمتي.
٥١ ـ ٦٠ ـ لما ذكر سبحانه الوعد والوعيد عقّبه بذكر قصة إبراهيم (ع) وقوم لوط مصدقا لما ذكره ، وإرشادا إلى الدلالة بالعاجل على الآجل فقال (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) أي واخبرهم عن أضياف إبراهيم (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ) يعني الملائكة وإنما سماهم ضيفا لأنهم جاءوه في صورة الأضياف (فَقالُوا سَلاماً) أي سلّموا عليه سلاما على وجه الدعاء والتحية وبشّروه بالولد وبإهلاك قوم لوط (قالَ) إبراهيم (إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ) أي خائفون (قالُوا لا تَوْجَلْ) أي لا تخف (إِنَّا نُبَشِّرُكَ) أي نخبرك بما يسرّك (بِغُلامٍ عَلِيمٍ) أي بولد يكون غلاما إذا ولد ، ويكون عليما إذا بلغ (قالَ) إبراهيم (أَبَشَّرْتُمُونِي) بالمولود (عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ) أي في حال