٣٠ ـ ٣٤ ـ لما قدّم سبحانه ذكر أقوال الكافرين فيما أنزله على نبيه (ص) ، عقبه بذكر أقوال المؤمنين في ذلك فقال (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) الشرك والمعاصي وهم المؤمنون (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) أي أنزل الله خيرا ، لأن القرآن كله هدى وشفاء وخير (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) مكافأة لهم وهي الثناء والمدح على ألسنة المؤمنين ، والهدى والتوفيق للإيمان (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) أي وما يصل إليهم من الثواب في الآخرة خيرا مما يصل إليهم في الدنيا ويجوز أن يكون الجميع من كلام المتقين وأجاز الحسن والزجاج كلا الوجهين وقوله (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) أي والآخرة نعم دار المتقين الذين اتقوا عقاب الله وقيل معناه : ولنعم دار المتقين الدنيا ، لأنهم نالوا بالعمل فيها الثواب والجزاء ، عن الحسن (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) كما يقال : نعم الدار دار ينزلها (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) سبق معناه (لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ) أي يشتهون من النعم (كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ) أي كذلك يجازي الله الذين اتقوا معاصيه (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) أي طيبي الأعمال طاهري القلوب من دنس الشرك وقيل معناه طيبة نفوسهم بالمصير إليه لعلمهم بما لهم عنده من الثواب وقيل طيبين أي صالحين بأعمالهم الجميلة وقيل بطيب وفاتهم فلا يكون صعوبة فيها (يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أي تقول الملائكة سلام عليكم : أي سلامة لكم من كل سوء (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) انهم لما بشروهم بالسلامة صارت الجنة كأنها دارهم وهم فيها ، فقولهم : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ) بمعنى حصلت لكم الجنة وقيل : إنما يقولون ذلك عند خروجهم من قبورهم ثم قال سبحانه (هَلْ يَنْظُرُونَ) معناه : ما ينتظرون ، يعني هؤلاء الكفار الذين تقدّم ذكرهم. وقال أبو علي الجبائي : معناه : هل تنتظر أنت يا محمد وأصحابك إلّا هذا ، وهم وإن انتظروا غيره فذلك لا يعتد به من حيث ما ينتظرونه من هذه الأشياء المذكورة لعظم شأنها ، فهو مثل قوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) ، وكما يقال : تكلّم فلان ولم يتكلم ، إذا تكلّم بما لا يعتد به (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) لقبض أرواحهم ، عن مجاهد وقتادة والسدي ، وقيل : لا نزال العذاب والخسف بهم ، وقيل : لعذاب القبر (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) أقوال : (احدها) أو يأتي ربك بجلائل آياته ، فيكون حذف لدلالة الكلام عليه ، (وثانيها) أو يأتي إهلاك ربك إياهم بعذاب عاجل أو آجل بالقيامة ، وهذا كقولنا : قد نزل فلان ببلد كذا ، وقد أتاهم فلان ، أي قد أوقع بهم ، عن الزجاج (كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أخبر سبحانه أن الذين مضوا من الكفار فعلوا مثل ما فعل هؤلاء من تكذيب الرسل ، وجحد التوحيد فأهلكهم الله ، فما الذي يؤمن هؤلاء من أن يهلكهم الله (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بالمعاصي التي استحقوا بها الهلاك (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) أي عقاب سيئاتهم ، فسمى العقاب سيئة كما قال : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (وَحاقَ بِهِمْ) أي وحلّ بهم جزاء (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ).
٣٥ ـ ٣٧ ـ ثم عاد سبحانه إلى حكاية قول المشركين فقال (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) مع الله إلها آخر (لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) أي لو أراد الله ما عبدنا من دونه شيئا من الأصنام والأوثان (نَحْنُ وَلا آباؤُنا) الذين اقتدينا بهم (وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) من البحيرة والسائبة وغيرهما ، بل شاء ذلك منا ، وأراد بذلك فعلنا ، فأنكر الله سبحانه هذا القول عليهم وقال (كَذلِكَ) أي مثل ذلك (فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)