(بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِ) المعنى : بل جاءهم بالقرآن والدين الحق وليس به جنة (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) لأنه لم يوافق مرادهم (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ) الحق هو الله تعالى والمعنى : ولو جعل الله لنفسه شريكا كما يهوون (لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) ووجه الفساد ما تقدّم ذكره عند قوله : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) وقيل : الحق ما يدعو إلى المصالح والمحاسن ، والأهواء ما تدعو إلى المفاسد والمقابح ، ولو اتبع الحق داعي الهوى لدعا إلى المقابح ، ولفسد التدبير في السماوات والأرض وقيل معناه : لفسدت أحوال السماوات والأرض لأنها جارية على الحكمة لا على الهوى ، (وَمَنْ فِيهِنَ) : أي ولفسد من فيهن وهو اشارة إلى العقلاء من الملائكة والأنس والجن (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ) أي بما فيه شرفهم وفخرهم لأن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم منهم ، والقرآن نزل بلسانهم (فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ) أي شرفهم (مُعْرِضُونَ) وبالذل راضون.
٧٢ ـ ٨٠ ـ ثم قال سبحانه (أَمْ تَسْأَلُهُمْ) يا محمد على ما جئتهم به من القرآن والإيمان (خَرْجاً) أي أجرا وما لا يعطونك ، فيورث ذلك تهمة في حالك ، أو يثقل عليهم قبول قولك لأجله (فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ) أي فرزق ربك في الدنيا خير منه ، عن الكلبي ، وقيل : فأجر ربك في الآخرة خير منه ، عن الحسن (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) أي أفضل من أعطى (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) من التوحيد وإخلاص العبادة ، والعمل بالشريعة (وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي لا يصدّقون بالنشأة الآخرة (عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ) أي عن الدين الحق عادلون مائلون وقيل معناه انهم في الآخرة عن طريق الجنة ، يؤخذ بهم يمنة ويسرة إلى النار ، عن الجبائي (وَلَوْ رَحِمْناهُمْ) في الآخرة (وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ) ورددناهم إلى دار التكليف (لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) مثل قوله : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا) وقيل : إنه في الدنيا أي ولو أنا رحمناهم وكشفنا ما بهم من جوع ونحوه لتمادوا في ضلالتهم وغوايتهم يترددون عن ابن جريج (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ) معناه : انا قد أخذنا هؤلاء لكفار بالجدب ، وضيق الرزق ، والقتل بالسيف (فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ) أي ما تواضعوا ولا انقادوا (وَما يَتَضَرَّعُونَ) أي وما يرغبون إلى الله في الدعاء ، وقال أبو عبد الله عليهالسلام : الإستكانة : الدعاء ، والتضرع : رفع اليد في الصلاة (حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ) أي هذا دأبهم حتى إذا فتحنا عليهم نوعا آخر من العذاب وذلك
حين دعا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عليهم فقال : اللهم سنين كسني يوسف ، فجاعوا حتى يوم بدر عن ابن عباس وقيل : فتحنا عليهم بابا من عذاب جهنم في الآخرة عن الجبائي وقيل : ذلك حين فتح مكة وقال أبو جعفر عليهالسلام : هو في الرجعة (إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) أي آيسون من كل خير متحيّرون. ثم بيّن سبحانه أنه المنعم على خلقه بأنواع النعم فقال (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) أي خلق هذه الحواس ابتداء لا من شيء ، وخصّ هذه الثلاثة لأن الدلائل مبنية عليها ، ينظر العاقل ، ويسمع ويتفكر فيعلم (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) أي يقل شكركم لها وقليلا منصوب على المصدر وتقديره : تشكرون قليلا لهذه النعم التي أنعم الله بها