عليكم وقيل معناه أنكم لا تشكرون ربّ هذه النعم فتوحدونه عن مقاتل (وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ) أي خلقكم وأوجدكم (فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) يوم القيامة فيجازيكم على أعمالكم (وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) أي يحييكم في أرحام أمهاتكم ، ويميتكم عند انقضاء آجالكم (وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي وله تدبيرهما بالزيادة والنقصان وقيل : وله ملك اختلافهما وهو ذهاب أحدهما ومجيء الآخر (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أي أفلا تعلمون بأن تفكروا فتعلموا أن لذلك صانعا قادرا عالما حيّا حكيما لا تحسن العبادة إلا له.
٨١ ـ ٩٠ ـ ثم أخبر سبحانه عن الكفار المكذبين بالبعث فقال (بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ) المنكرون للبعث بعد الموت ؛ ثم حكى مقالتهم فقال (قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) وهذا جهل منهم لأنّهم لو تفكروا في أن النشأة الأولى أعظم منه لما استعظموه ، وقد اقروا بأن الله خالقهم (لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا) أي وعد آباؤنا هذا الذي تعدنا من البعث (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل مجيئك فما صدق وعدهم (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي ما هذا إلا أكاذيب الأولين ، قد سطروا ما لا حقيقة له ، وإنما يجري مجرى حديث السمر الذي يكتب للاطراف به. ثم احتج على هؤلاء المنكرين للبعث والنشور فقال (قُلْ) يا محمد لهم (لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها) أي لمن خلق الأرض وملكها ومن فيها من العقلاء (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ) في الجواب (لِلَّهِ) وإنما قال ذلك لأنهم كانوا يقرون بأن الله هو الخالق (قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أي فقل لهم عند ذلك : أفلا تتفكرون فتعلمون انه تعالى قادر على ذلك ، ومن قدر عليه قدر على إحياء الموتى لأنه ليس ذلك بأعظم منه؟ ثم زاد في الحجة فقال (قُلْ) يا محمد لهم أيضا (مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ) أي من مالكها والمتصرف فيها (وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) أي ومن مالك العرش ومدبّره لأنهم كانوا يقرّون بأن الله خالق السماوات ، وان الملائكة سكان السماوات ، والعرش عندهم عبارة عن الملك. أخبر أنهم (فَسَيَقُولُونَ اللهُ) في الجواب عن ذلك ، أي إن رب السماوات ورب العرش هو الله ومن قرأ لله فالمعنى أنها لله (قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) أي فعند ذلك يلزمهم الحجة فقل لهم : أفلا تتقون عذابه على جحد توحيده ، والإشراك في عبادته ، وفي انكار البعث. ثم زاد في الحجة فقال (قُلْ) يا محمد لهم أيضا (مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) والملكوت من صفات المبالغة في الملك كالجبروت والرهبوت وقال مجاهد : ملكوت كل شيء خزائن كل شيء (وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ) أي يمنع من السوء من يشاء ولا يمتنع منه من أراده بسوء يقال : أجرت فلانا إذا استغاث بك فحميته ، وأجرت عليه إذا حميت عنه ؛ ويحتمل أن يكون أراد في الدنيا ، أي من قصد عبدا من عباده بسوء قدر على منعه ، ومن أراد الله بسوء لم يقدر على منعه أحد ، ويحتمل أن يكون أراد في الآخرة ، أي يجير من العذاب ولا يجار عليه منه (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي إن كنتم تعلمون ذلك فاجيبوا (سَيَقُولُونَ) في الجواب (لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) أي فكيف يخيل إليكم الحق باطلا ، والصحيح فاسدا مع وضوح الحق وتمييزه من الباطل وقيل معناه : فكيف تعمون عن هذا وتصدون عنه ، من قولهم : سحرت أعيننا فلم نبصر وقيل معناه : فكيف تخدعون ويموّه عليكم كقول امرىء القيس «ونسحر بالطّعام وبالشراب» أي ونخدع (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) معناه : إنا جئناهم بالحق ، وبينا لهم الحق الذي فيه بيان كذبهم ، ولكنهم اصرّوا على باطلهم وكذبهم.
٩١ ـ ١٠٠ ـ ثم أكّد سبحانه ما قدّمه من أدلة التوحيد بقوله