(مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ) فمن المحال أن يكون له ولد (وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ) نفى عن نفسه الولد والشريك على آكد الوجوه (إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) والتقدير : إذ لو كان معه إله لذهب كل إله بما خلق ، أي لميّز كل إله خلقه عن خلق غيره ومنعه من الإستيلاء على ما خلقه ، أو نصب دليلا يميّز به بين خلقه وخلق غيره ، فإنه كان لا يرضى أن يضاف خلقه وإنعامه إلى غيره (وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) أي ولطلب بعضهم قهر بعض ومغالبته ، وهذا في الدنيا وفي هذا دلالة عجيبة في التوحيد ودلالة على إعجاز القرآن لأنه لا يوجد في كلام العرب كلمة وجيزة تضمنت ما تضمنته هذه فإنها قد تضمنت دليلين باهرين على وحدانية الله وكمال قدرته. ثم نزّه نفسه عما وصفوه به فقال (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) أي عمّا يصفه به المشركون من اتخاذه الولد والشريك (عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي يعلم ما غاب وما حضر فلا يخفى عليه شيء (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) والمعنى : أنه عالم بما كان وبما سيكون وبما لم يكن إن لو كان كيف يكون ، ومن كان بهذه الصفة لا يكون له شريك لأنه الأعلى من كل شيء في صفته. ثم قال لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم (قُلْ) يا محمد (رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ) أي إن اريتني ما يوعدون من العذاب والنقمة ؛ يعني القتل يوم بدر (رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي مع القوم الظالمين والمعنى : فأخرجني من بينهم عند ما تريد احلال العذاب بهم لئلا يصيبني ما يصيبهم (وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ) هذا ابتداء كلام من الله تعالى معناه : أنا لا نعاجلهم بالعقوبة مع قدرتنا على ذلك ولكن ننظرهم ونمهلهم لمصلحة توجب ذلك (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) أي ادفع بالأغضاء والصفح اساءة المسيء (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ) أي بما يكذبون ويقولون من الشرك والمعنى : أنا نجازيهم بما يستحقونه. ثم أمره صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال (وَقُلْ) يا محمد (رَبِّ أَعُوذُ بِكَ) أي اعتصم بك (مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) أي من نزغاتهم ووساوسهم عن ابن عباس والحسن والمعنى : من دعائهم إلى الباطل والعصيان ، ومن شرورهم في كل شيء يخاف فيه من ذلك (وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) أي يشهدوني ويقاربوني ويصدّوني عن طاعتك (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) يعني ان هؤلاء الكفار إذا اشرفوا على الموت سألوا الله تعالى عند ذلك الرجعة إلى دار التكليف فيقول أحدهم : (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) أي في تركتي والمعنى : اؤدّي عنها حق الله تعالى وقيل معناه في دنياي فإنه ترك الدنيا وصار إلى الآخرة وقيل معناه : أعمل صالحا فيما فرطت وضيّعت ، أي في صلاتي وصيامي وطاعاتي ، ثم قال سبحانه في الجواب عن سؤالهم (كَلَّا) أي لا يرجع إلى الدنيا (إِنَّها) أي مسألة الرجعة (كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) أي كلام يقوله ولا فائدة له في ذلك (وَمِنْ وَرائِهِمْ) أي ومن بين أيديهم (بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أي حاجز بين الموت والبعث في يوم القيامة من القبور عن ابن زيد وقيل حاجز بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا وهم فيه إلى يوم يبعثون عن ابن عباس ومجاهد وقيل البرزخ الامهال إلى يوم القيامة وهو القبر وكل فصل بين شيئين هو برزخ.
١٠١ ـ ١١٠ ـ (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ) المراد به نفخة البعث والصور : جمع صورة ، أي إذا نفخ فيه الأرواح واعيدت احياء