والصور قرن ينفخ فيه إسرافيل بالصوت العظيم الهائل على ما وصفه الله تعالى علامة لوقت إعادة الخلق (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ) أي لا يتواصلون بالأنساب ، ولا يتعاطون بها مع معرفة بعضهم بعضا عن الحسن والمعنى : انه لا يرحم قريب قريبه لشغله عنه ، فإن المقصود بالأنساب دفع ضرّ ، أو جرّ نفع ، فإذا ذهب هذا المقصود فكأن الأنساب قد ذهبت ومثله : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ) وقيل معناه : لا يتفاخرون بالأنساب كما كانوا يفعلونه في الدنيا ، عن ابن عباس والجبائي. وقال النّبي صلىاللهعليهوآله : كل حسب ونسب منقطع يوم القيامة إلّا حسبي ونسبي (وَلا يَتَساءَلُونَ) أي لا يسأل بعضهم بعضا عن حاله وخبره كما كانوا يسألون في الدنيا لشغل كل واحد بنفسه (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) بالطاعات (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الناجون (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) عن الطاعات (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) وقد تقدّم تفسير الآيتين واختلاف المفسرين في كيفية الميزان والوزن في سورة الأعراف (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ) أي يصيب وجوههم لفح النار ولهبها (وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) تتقلص شفاههم وتبدو أسنانهم (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) أي يقال لهم : ألم تكن حججي وبيّناتي وأدلّتي تقرأ عليكم في دار الدنيا؟ (فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا) أي شقاوتنا ومعناهما واحد هو المضرة اللاحقة في العافية ، والسعادة المنفعة اللاحقة في العافية ويقال لمن حصل في الدنيا على مضرة فادحة شقي والمعنى : استعلت علينا سيئاتنا التي أوجبت لنا الشقاء (وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ) أي ذاهبين عن الحق (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها) أي من النار (فَإِنْ عُدْنا) لما تكره من الكفر والتكذيب والمعاصي (فَإِنَّا ظالِمُونَ) لأنفسنا قال الحسن هذا آخر كلام يتكلم به أهل النار ثم بعد ذلك يكون لهم شهيق كشهيق الحمار (قالَ اخْسَؤُا فِيها) أي ابعدوا في النار (وَلا تُكَلِّمُونِ) وهذه مبالغة للاذلال والإهانة وإظهار الغضب عليهم لأن من لا يكلم اهانة له فقد بلغ به الغاية في الاذلال وقيل معناه ولا تكلمون في رفع العذاب فإني لا أرفعه عنكم وهي على صيغة النهي وليست بنهي ، لأن الأمر والنهي مرتفعان في الآخرة لارتفاع التكليف (إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي) أي طائفة من عبادي وهم الأنبياء والمؤمنون (يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) أي يدعون بهذه الدعوات في الدنيا طلبا لما عندي من الثواب (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ) أنتم يا معشر الكفار (سِخْرِيًّا) أي كنتم تهزؤون وتسخرون منهم وقيل معناه : تستعبدونهم وتصرفونهم في أعمالكم وحوائجكم كرها بغير أجر وقيل : إنهم كانوا إذا آذوا المؤمنين قالوا : انظروا إلى هؤلاء رضوا من الدنيا بالعيش الدني طمعا في ثواب الآخرة ، وليس وراءهم آخرة ولا ثواب ، فهو مثل قوله : (وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ) (حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) أي نسيتم ذكري لاشتغالكم بالسخرية منهم ، فنسب الأنساء إلى عباده المؤمنين وإن لم يفعلوه بما كانوا السبب في ذلك (وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) ظاهر المعنى.
١١١ ـ ١١٨ ـ ثم أخبر سبحانه عن المؤمنين الذين سخر الكافرون منهم في دار الدنيا فقال (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا) أي بصبرهم على أذاكم ، وسخريتكم واستهزائكم بهم (أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ) أي الظافرون بما أرادوا ، والناجون في الآخرة ، والمراد بقوله : اليوم أيام الجزاء لا يوم بعينه (قالَ) أي قال الله تعالى للكفار يوم البعث وهو سؤال توبيخ وتبكيت لمنكري البعث (كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ) أي في القبور (عَدَدَ سِنِينَ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) لأنهم لم يشعروا بطول لبثهم ومكثهم لكونهم أمواتا وقيل : إنه سؤال لهم عن مدة حياتهم في الدنيا لطول لبثهم ومكثهم في النار ، عن الحسن قال : ولم يكن ذلك كذبا منهم لأنهم أخبروا بما