والسعة في المال (أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى) ولا يتركوا جهدا في الانفاق على أقربائهم (وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا) هذا أمر من الله تعالى للمرادين بالآية بالعفو عمّن أساء إليهم ، والصفح عنهم ، وقال لهم (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) معاصيكم جزاء على عفوكم وصفحكم عمن أساء إليكم (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) أي يقذفون العفائف من النساء (الْغافِلاتِ) عن الفواحش (الْمُؤْمِناتِ) بالله ورسوله واليوم الآخر (لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أي ابعدوا من رحمة الله في الدارين وقيل : استحقوا اللعنة فيهما وقيل عذّبوا في الدنيا بالجلد وردّ الشهادة وفي الآخرة بعذاب النار (وَلَهُمْ) مع ذلك (عَذابٌ عَظِيمٌ) وهذا الوعيد عام لجميع المكلفين عن ابن عباس وابن زيد (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) بيّن الله سبحانه أن ذلك العذاب يكون في يوم تشهد ألسنتهم فيه عليهم بالقذف وسائر أعضائهم بمعاصيهم وفي كيفية شهادة الجوارح أقوال (أحدها) ان الله تعالى يبنيها بنية يمكنها النطق والكلام من جهتها فتكون ناطقة (والثاني) ان الله تعالى يفعل فيها كلاما يتضمن الشهادة فيكون المتكلم هو الله دون الجوارح واضيف الكلام إليها على التوسع لأنها محل الكلام (والثالث) ان الله تعالى يجعل فيها علامة تقوم مقام النطق بالشهادة ، وأما شهادة الألسن فبأن يشهدوا بألسنتهم إذ رأوا أنه لا ينفعهم الجحود وأما قوله (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ) فإنه يجوز أن تخرج الألسنة ويختم على الأفواه ، ويجوز أن يكون الختم على الأفواه في حال شهادة الأيدي والأرجل (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَ) أي يتمم الله لهم جزاءهم الحق ، فالدين هنا بمعنى الجزاء ويجوز أن يكون المراد جزاء دينهم الحق فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) أي يعلمون الله ضرورة في ذلك اليوم ويقرّون أنه الحق ، لأنه يقضي بالحق ، ويعطي بالحق ، ويأخذ بالحق (الْمُبِينُ) أي الذي يظهر لهم حقائق الأمور ، ويبيّن جلائل الآيات.
النظم
بدأ سبحانه فبيّن حكم القاذف أولا وأوجب عليه الحدود ورد شهادته وسمّاه فاسقا فعلم أن المراد به أهل الملة ثم عقّبه بحديث الإفك لاتصاله به ثم ذكر صنفا آخر من القذفة وهم المنافقون بقوله (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا) وبيّن ما لهم من الغضب واللعنة ثم عمّ الجميع بالوعيد في قوله (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) الآيات عن أبي مسلم.
٢٦ ـ ٢٩ ـ قال سبحانه (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ) معناه : الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء ، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال ، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام قالا : هي مثل قوله : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) الآية ان أناسا همّوا أن يتزوجوا منهن فنهاهم الله عن ذلك وكره ذلك لهم (أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ) أي الطيبون مبرؤون : أي منزّهون (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) أي لهؤلاء الطيبين من الرجال والنساء مغفرة من الله لذنوبهم (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) أي عطية من الله كريمة في الجنة. ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) أي حتى تستأنسوا وقيل : تستأنسوا بالتنحنح والكلام الذي يقوم مقام