الاستيذان ، وقد بيّن الله تعالى ذلك في قوله : (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) ، عن مجاهد والسدي وقيل معناه : حتى تستعلموا وتتعرفوا ، عن أبي أيوب الأنصاري قال : قلنا يا رسول الله ما الاستيناس؟ قال : يتكلم الرجل بالتسبيحة والتحميدة والتكبيرة ويتنحنح على أهل البيت (وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها) تقديره : حتى تسلموا على أهلها (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) معناه : ذلك الدخول بالاستيذان خير لكم (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) مواعظ الله وأوامره ونواهيه فتتبعونها (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا) معناه : فإن لم تعلموا (فِيها أَحَداً) يأذن لكم في الدخول (فَلا تَدْخُلُوها) لأنه ربما كان فيها ما لا يجوز أن تطلعوا عليه (حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ) أي حتى يأذن لكم أرباب البيوت في ذلك. بيّن الله سبحانه بهذا أنه لا يجوز دخول دار الغير بغير إذن وإن لم يكن صاحبها فيها ، ولا يجوز أن يتطلع إلى المنزل لير من فيه فيستأذنه إذا كان باب البيت مغلقا ، لقوله (ع): إنّما جعل الاستيذان لأجل النظر ، إلّا أن يكون الباب مفتوحا ، لأن صاحبه بالفتح أباح النظر (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا) أي فانصرفوا ولا تلجّوا عليهم (هُوَ أَزْكى لَكُمْ) معناه : ان الانصراف انفع لكم في دينكم ودنياكم ، وأطهر لقلوبكم ، وأقرب إلى أن تصيروا أزكياء (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) أي عالم بأعمالكم لا يخفى عليه شيء منها. ثم قال سبحانه (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) أي حرج وإثم (أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ) يعني بغير استئذان (فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) إنها الخانات والحمامات والأرحية ، ويكون معنى متاع لكم : أي استمتاع لكم (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ) لا يخفى عليه شيء من ذلك.
فقال (قُلْ) يا محمد (لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) عمّا لا يحل لهم النظر إليه (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) عمّن لا يحل لهم وعن الفواحش ، وقال ابن زيد : كل موضع في القرآن ذكر فيه حفظ الفروج فهو عن الزنا ، إلا في هذا الموضع فإن المراد به الستر حتى لا ينظر إليها أحد ، وهو المروي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : فلا يحل للرجل أن ينظر إلى فرج أخيه ، ولا يحل للمرأة أن تنظر إلى فرج اختها (ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ) أي انفع لدينهم ودنياهم ، وأطهر لهم ، وانفى للتهمة ، وأقرب إلى التقوى (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ) أي عليم (بِما يَصْنَعُونَ) أي بما يعملون (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَ) أمر النساء بمثل ما أمر به الرجال من غضّ البصر ، وحفظ الفرج (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) أي لا يظهرن مواضع الزينة لغير محرم ومن في حكمه (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) فيها ثلاثة أقاويل (أحدها) ان الظاهرة : الثياب ، والباطنة : الخلخالان والقرطان والسواران ، عن ابن مسعود (وثانيها) ان الظاهرة : الكحل والخاتم والخدان ، والخضاب في الكف ، عن ابن عباس ، والكحل والسوار والخاتم ، عن قتادة (وثالثها) انها الوجه والكفان ، عن الضحاك وعطا ، والوجه والبنان ، عن الحسن ، وفي تفسير علي بن إبراهيم الكفّان والأصابع (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَ) والخمر : المقانع جمع خمار وهو غطاء رأس المرأة المنسدل على جيبها ، أمرن بالقاء المقانع على صدورهن تغطية لنحورهن ، فقد قيل : انّهن كنّ يلقين مقانعهن على ظهورهن فتبدو صدورهنّ (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) معناه : لا يضعن الجلباب والخمار (إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ) أي لأزواجهن يبدين مواضع زينتهنّ لهم استدعاء لميلهم ، وتحريكا لشهوتهم (أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَ) وهؤلاء الذين يحرم عليهم نكاحهن فهم ذوو محارم لهن بالأسباب والأنساب ، ويدخل أجداد البعولة فيه وان علوا ، وأحفادهم وان سفلوا ، يجوز ابداء الزينة لهم من غير استدعاء لشهوتهم ،