من أين تؤتى كتبهم ، وأين يؤخذ بهم ، أمن قبل اليمين ، أم من قبل الشمال (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أي يفعلون ذلك طلبا لمجازة الله إياهم بأحسن ما عملوا ، ولتفضله عليهم بالزيادة على ما استحقّوه بأعمالهم من فضله وكرمه (وَاللهُ يَرْزُقُ) أي يعطي (مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) أي بغير مجازاة على عمل بل تفضلا منه سبحانه ؛ والثواب لا يكون إلّا بحساب ، والتفضل يكون بغير حساب.
٣٩ ـ ٤٠ ثم ذكر سبحانه مثل الكفار فقال (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ) التي يعملونها ويعتقدون أنها طاعات (كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) أي كشعاع بأرض مستوية (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً) أي يظنه العطشان ماء (حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) أي حتى إذا انتهى إليه رأى أرضا لا ماء فيها وهو قوله : (لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) ، أي شيئا مما حسب وقدر ؛ فكذلك الكافر يحسب ما قدّم من عمله نافعا ، وأن له عليه ثوابا وليس له ثواب (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ) قيل معناه : ووجد الله عند عمله فجازاه على كفره (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) لا يشغله حساب عن حساب ، فيحاسب الجميع على أفعالهم في حالة واحدة ؛ وسئل أمير المؤمنين عليهالسلام : كيف يحاسبهم في حالة واحدة؟ فقال : كما يرزقهم في حالة واحدة ثم ذكر مثلا آخر لأعمالهم فقال (أَوْ كَظُلُماتٍ) أي أو أفعالهم مثل ظلمات (فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ) أي عظيم اللجة لا يرى ساحله (يَغْشاهُ مَوْجٌ) أي يعلو ذلك البحر اللجي موج (مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ) أي فوق ذلك الموج موج (مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ) أي من فوق الموج سحاب (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) يعني ظلمة البحر ، وظلمة الموج ، وظلمة السحاب ، والمعنى : أن الكافر يعمل في حيرة ولا يهتدي لرشده ، فهو من جهله وحيرته كمن هو في هذه الظلمات لأنه من عمله وكلامه واعتقاده متقلب في ظلمات (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) لا يراها ولا يقارب رؤيتها ، فهو ، نفي للرؤية وعن مقاربة الرؤية ، لأن دون هذه الظلمة لا يرى فيها (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) أي من لم يجعل الله له نجاة وفرجا فما له من نجاة.
٤١ ـ ٤٦ ثم ذكر سبحانه الآيات التي جعلها نورا للعقلاء العارفين بالله وصفاته فقال (أَلَمْ تَرَ) أي ألم تعلم يا محمد ، لأن ما ذكر في الآية لا يرى بالأبصار وإنما يعلم بالأدلة ، والخطاب للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والمراد به جميع المكلفين (أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) والتسبيح التنزيه لله تعالى عمّا لا يجوز عليه ولا يليق به ، أي ينزّهه أهل السماوات وأهل الأرض بألسنتهم وقيل عنى به العقلاء وغيرهم وكنّى عن الجميع بلفظة من تغليبا للعقلاء على غيرهم (وَالطَّيْرُ) أي ويسبّح له الطير (صَافَّاتٍ) أي واقفات في الجوّ مصطفّات الأجنحة في الهواء ، وتسبيحها ما يرى عليها من آثار الحدوث (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) معناه ان جميع ذلك قد علم الله تعالى دعاءه إلى توحيده وتسبيحه وتنزيهه وقيل ان الصلاة للإنسان والتسبيح لكل شيء عن مجاهد وجماعة وقيل معناه : كل واحد منهم قد علم صلاته وتسبيحه ، أي صلاة نفسه ، وتسبيح نفسه فيؤديه في وقته (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) أي عالم بأفعالهم فيجازيهم في وقته (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) والملك المقدور الواسع لمن يملك السياسة والتدبير فملك السماوات والأرض لا يصح إلا لله وحده لأنه القادر على الأجسام ، لا يقدر على خلقها غيره ، فالملك التام لا يصحّ إلا له سبحانه (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) أي المرجع يوم القيامة. ثم قال (أَلَمْ تَرَ) أي ألم تعلم (أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً) أي يسوقه سوقا رفيقا إلى حيث يريد (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) أي يضمّ بعضه إلى بعض فيجعل القطع المتفرقة منه قطعة واحدة (ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً) أي متراكما بعضه