مُبَيِّناتٍ) أي واضحات ظاهرات ومن قرأ بفتح الباء فمعناه مفصلات بينهنّ الله وفصّلهن (وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) واخبارا من الذين مضوا من قبلكم ، وقصصا لهم ، وشبها من حالهم بحالكم لتعتبروا بها (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) أي وزجرا للمتقين عن المعاصي ؛ وخصّهم بالذكر لأنهم المنتفعون بها.
٣٥ ـ ٣٨ (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الله هادي أهل السماوات والأرض إلى ما فيه مصالحهم. عن ابن عباس ، وقيل : الله منوّر السماوات والأرض بالشمس والقمر والنجوم ، عن الحسن وأبي عالية والضحّاك (مَثَلُ نُورِهِ) المعنى : مثل نور الله الذي هدى به المؤمنين وهو الإيمان في قلوبهم (كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ) المشكاة : هي الكوة في الحائط يوضع عليها زجاجة ، ثم يكون المصباح خلف تلك الزجاجة ، ويكون للكوة باب آخر يوضع المصباح فيه (الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) أي ذلك السراج في زجاجة ، وفائدة اختصاص الزجاجة بالذكر انه اصفى الجواهر ، فالمصباح فيه أضوأ (الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) أي تلك الزجاجة مثل الكوكب العظيم المضيء (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) أي يشتعل ذلك السراج من دهن شجرة مباركة (زَيْتُونَةٍ) أراد بالشجرة المباركة شجرة الزيتون لأن فيها أنواع المنافع ، فإن الزيت يسرج به ، وهو ادام ودهان ودباغ ، ويوقد بحطبه وثفله ، ويغسل برماده الابريسم ، ولا يحتاج في استخراج دهنه إلى اعصار (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) أي لا يفيء عليها ظل شرق ولا غرب ، فهي ضاحية للشمس لا يظلها جبل ولا شجر ولا كهف ، فزيتها يكون أصفر (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ) من صفائه ، وفرط ضيائه (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) أي قبل أن تصيبه النار وتشتعل فيه. إنّه مثل ضربه الله لنبيّه محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فالمشكاة : صدره ، والزجاجة : قلبه ، والمصباح : فيه النبوة ، لا شرقية ولا غربية : أي لا يهودية ولا نصرانية ، توقد من شجرة مباركة : يعني شجرة النبوة وهي ابراهيم عليهالسلام يكاد نور محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم يبيّن للناس ولو لم يتكلم به ، كما ان ذلك الزيت يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار ، أي تصبه النار (نُورٌ عَلى نُورٍ) أي نبيّ من نسل نبيّ (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) أي يهدي الله لدينه وإيمانه من يشاء ، بأن يفعل له لطفا يختار عنده الإيمان إذا علم ان له لطفا (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) تقريبا إلى الأفهام ، وتسهيلا لدرك المرام (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فيضع الأشياء مواضعها (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) معناه : هذه المشكاة في بيوت هذه صفتها وهي بيوت الأنبياء ، وروي ذلك مرفوعا أنه سئل النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لما قرأ الآية أيّ بيوت هذه فقال بيوت الأنبياء ، فقام أبو بكر فقال : يا رسول الله هذا البيت منها؟ يعني بيت عليّ وفاطمة فقال : يا رسول الله هذا البيت منها؟ يعني بيت عليّ وفاطمة قال : نعم ، من أفاضلها. ويعضد هذا القول قوله : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، وقوله : (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) ، فالإذن برفع بيوت الأنبياء والأوصياء مطلق ، والمراد بالرفع التعظيم ورفع القدر من الأرجاس ، والتطهير من المعاصي والأدناس (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) أي يتلى فيها كتابه (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) أي يصلى له فيها بالبكور والعشايا. قال ابن عباس كل تسبيح في القرآن صلاة. ثم بين سبحانه المسبح فقال (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ) أي لا تشغلهم ولا تصرفهم (تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ) أي إقامة الصلاة (وَإِيتاءِ الزَّكاةِ) يريد الزكاة المفروضة (يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) أراد يوم القيامة ، تتقلب فيه أحوال القلوب والأبصار ، وتنتقل من حال إلى حال ، فتلفحها النار ، ثم تنضجها ، ثم تحرقها ، وتنقلب الأبصار يمنة ويسرة