(إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ) عما يدعون إليه (وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُ) أي وإن علموا أن الحق يقع لهم (يَأْتُوا إِلَيْهِ) أي إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (مُذْعِنِينَ) مسرعين طائعين منقادين. ثم قال سبحاه منكرا عليهم (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي شكّ في نبوّتك ونفاق وهو استفهام يراد منه التقرير لأنه أشدّ في الذمّ والتوبيخ أي هذا أمر قد ظهر حتى لا يحتاج فيه إلى البينة (أَمِ ارْتابُوا) في عدلك ، أي : رأوا منك ما رابهم لأجله أمرك (أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ) أي يجور الله عليهم (وَرَسُولُهُ) أي : ويميل رسوله في الحكم ويظلمهم ، لأنه لا وجه في الامتناع عن المجيء إلا أحد هذه الأوجه الثلاثة. ثم أخبر سبحانه أنه ليس شيء من ذلك فقال (بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) نفوسهم وغيرهم ؛ وفي هذه الآية دلالة على أن خوف الحيف من الله تعالى خلاف الدين. ثم وصف سبحانه الصادقين في إيمانهم فقال (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) أي سمعنا قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم واطعنا أمره ، وإن كان ذلك فيما يكرهونه ويضرّهم عن ابن عباس ومقاتل وقيل معناه قبلنا هذا القول وانقدنا له واجبنا إلى حكم الله ورسوله (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي الفائزون بالثواب ، الظافرون بالمراد وروي عن أبي جعفر عليهالسلام أن المعنى بالآية أمير المؤمنين عليه أفضل الصلوات (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) فيما أمراه ونهيا عنه (وَيَخْشَ اللهَ) أي ويخشى عقاب الله في ترك أوامره ، وارتكاب نواهيه (وَيَتَّقْهِ) أي ويتق عقابه بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه (فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) وقيل معناه : ويخش الله في ذنوبه التي عملها ، ويتقه فيما بعد.
النظم
قيل : اتصلت الآية الأولى بقوله : (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) ، ويعود الضمير في قوله : ويقولون إليهم ، وإن كان يقع على بعضهم ، فكأنه قال : ويقول جماعة من هؤلاء الناس آمنا ، عن أبي مسلم ، وقيل : إنه لما تقدم ذكر المؤمن والكافر عقّبه بذكر المنافق.
٥٣ ـ ٥٥ ولمّا بيّن سبحانه كراهتهم لحكمه قالوا للنّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : والله لو أمرتنا بالخروج من ديارنا وأموالنا لفعلنا ، فقال الله سبحانه (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَ) أي حلفوا بالله اغلظ أيمانهم ، وقدر طاقتهم أنك إن أمرتنا بالخروج في غزواتك لخرجنا (قُلْ) لهم يا محمد (لا تُقْسِمُوا) أي لا تحلفوا ، وتمّ الكلام (طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) أي طاعة حسنة للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خالصة صادقة أفضل وأحسن من قسمكم بما لا تصدقون به ، فحذف خبر المبتدأ للعلم به ، وقيل معناه : ليكن منكم طاعة ، والقول المعروف هو المعروف صحته (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) أي من طاعتكم بالقول ، ومخالفتكم بالفعل. ثم أمرهم سبحانه بالطاعة فقال (قُلْ) لهم (أَطِيعُوا اللهَ) فيما أمركم به (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فيما أتاكم به ، واحذروا المخالفة (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي فإن تعرضوا عن طاعة الله وطاعة رسوله (فَإِنَّما عَلَيْهِ) أي على الرسول (ما حُمِّلَ) أي كلف وأمر من التبليغ وأداء الرسالة (وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) أي كلفتم من الطاعة والمتابعة (وَإِنْ تُطِيعُوهُ) أي وأن تطيعوا الرسول (تَهْتَدُوا) إلى الرشد والصلاح ، وإلى طريق الجنة (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي ليس عليه إلا أداء الرسالة ، وبيان الشريعة ، وليس عليه الاهتداء ، وإنما ذلك عليكم ، ونفعه عائد إليكم ، والمبين : البين الواضح (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) أي صدقوا بالله وبرسوله ، وبجميع ما يجب التصديق به (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي الطاعات الخالصة لله