(لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) أي ليجعلنهم يخلفون من قبلهم والمعنى : ليرثنهم أرض الكفار من العرب والعجم فيجعلهم سكانها وملوكها (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) عن أبي بن كعب قال : لما قدم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار ، رمتهم العرب عن قوس واحدة وكانوا لا يبيتون إلا مع السلاح ، ولا يصبحون إلّا فيه ، فقالوا : ترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله؟ فنزلت هذه الآية. وعن المقداد بن الأسود ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : لا يبقى على الأرض بيت مدر ولا وبر إلّا أدخله الله تعالى كلمة الإسلام بعزّ عزيز ، أو ذلّ ذليل ، إمّا أن يعزّهم الله فيجعلهم من أهلها ، وإمّا أن يذلّهم فيدينون لها ، وقيل : إنّه أراد بالأرض أرض مكة ، لأنّ المهاجرين كانوا يسألون ذلك (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ) عنى دين الإسلام الذي أمرهم أن يدينوا به ، وتمكينه : أن يظهره على الدين كله (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) أي وليصيرنهم بعد ان كانوا خائفين بمكة آمنين بقوة الإسلام وانبساطه ؛ وقد فعل الله ذلك بهم وبمن كان بعدهم من هذه الأمة ، مكّن لهم في الأرض ، فقد أنجز وعده لهم (يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) هذا استئناف كلام في الثناء عليهم ومعناه : لا يخافون غيري ؛ وفي الآية دلالة على صحة نبوة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم من جهة الإخبار عن غيب لا يعلم إلّا بوحي من الله عزوجل (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ) أي بعد هذه النعم (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) ذكر الفسق بعد الكفر مع أن الكفر أعظم من الفسق لأن الفسق في كل شيء هو الخروج إلى أكثره والمعنى : أولئك هم الخارجون إلى أقبح وجوه الكفر وأفحشه.
٥٦ ـ ٥٧ ثم أمر سبحانه بإقامة أمور الدين فقال (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أي قوموا بأدائها واتمامها في أوقاتها (وَآتُوا الزَّكاةَ) المفروضة (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي لترحموا جزاء على ذلك وتثابوا بالنعم الجزيلة. ثم قال (لا تَحْسَبَنَ) يا محمد أو أيها السامع (الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) أي سابقين فائتين في الأرض ، أي لا يفوتونني (وَمَأْواهُمُ النَّارُ) أي مستقرهم ومصيرهم النار (وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي بئس المستقر والمأوى.
٥٨ ـ ٦٠ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) معناه : مروا عبيدكم واماءكم أن يستأذنوا عليكم إذا أرادوا الدخول إلى مواضع خلواتكم (وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ) من أحراركم ، وأراد به الصبي الذي يميز بين العورة وغيره. وقال الجبائي : الاستئذان واجب على كل بالغ في كل حال ، وعلى الأطفال في هذه الأوقات الثلاثة بظاهر الآية (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) أي في ثلاثة أوقات من ساعات الليل والنهار ، ثم فسّرها فقال (مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ) وذلك ان الإنسان ربما يبيت عريانا ، أو على حال لا يحبّ أن يراه غيره في تلك الحال (وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ) يريد عند القائلة (وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ) الآخرة حين يأوي الرجل إلى امرأته ويخلو بها ، أمر الله بالاستئذان في هذه الأوقات التي يتخلى الناس فيها وينكشفون ، وفصّلها ثم اجملها بعد التفصيل فقال (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ) أي هذه الأوقات ثلاث عورات لكم ، سمى سبحانه هذه عورة (لَيْسَ عَلَيْكُمْ) يعني المؤمنين الأحرار (وَلا عَلَيْهِمْ) يعني الخدم والغلمان (جُناحٌ بَعْدَهُنَ) أي حرج في أن لا يستأذنوا في غير هذه الأوقات (طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ) أي هم خدمكم فلا يجدون بدا من دخولهم عليكم في غير هذه الأوقات (بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ) أي يطوف بعضكم ، وهم المماليك على بعض ، وهم الموالي (كَذلِكَ) أي كما بيّن لكم ما تعبدكم به في هذه الآية (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ