الْآياتِ) أي الدلالات على الأحكام (وَاللهُ عَلِيمٌ) بما يصلحكم (حَكِيمٌ) فيما يفعله (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ) يعني (فَلْيَسْتَأْذِنُوا) في جميع الأوقات (كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأحرار الكبار الذين أمروا بالإستئذان على كل حال في الدخول عليكم ، فالبالغ يستأذن في كل الأوقات ، والطفل والعبد يستأذن في العورات الثلاث (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) مرّ معناه (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً) وهن المسنات من النساء اللاتي قعدن عن التزويج لأنه لا يرغب في تزويجهن (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَ) يعني : الجلباب فوق الخمار ، ابيح لهن القعود بين يدي الأجانب في ثياب أبدانهن مكشوفات الوجه واليد ، فالمراد بالثياب ما ذكرناه لا كلّ الثياب (غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ) أي غير قاصدات بوضع ثيابهن إظهار زينتهن ، بل يقصدن به التخفيف عن أنفسهن ، فاظهار الزينة في القواعد وغيرهن محظور ، وأما الشابات فإنهن يمنعن من وضع الجلباب أو الخمار ويؤمرن بلبس اكثف الجلابيب لئلا تصفهن ثيابهن ، وقد روي عن النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : للزوج ما تحت الدرع ، وللابن والأخ ما فوق الدرع ، ولغير ذي محرم أربعة أثواب : درع وخمار وجلباب وازار (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ) أي واستعفاف القواعد وهو أن يطلبن العفة بلبس الجلابيب (خَيْرٌ لَهُنَ) من وضعها وان سقط الحرج عنهن فيه (وَاللهُ سَمِيعٌ) لأقوالكم (عَلِيمٌ) بما في قلوبكم.
٦١ ـ لمّا تقدّم ذكر الاستيذان عقّبه سبحانه بذكر رفع الحرج عن المؤمنين في الانبساط بالأكل والشرب فقال (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) الذي كفّ بصره (وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ) الذي يعرج من رجليه أو أحداهما (حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ) العليل (حَرَجٌ) أي إثم ، والمعنى : ليس عليكم في مؤاكلتهم حرج لأنهم كانوا يتحرّجون من ذلك ويقولون : ان الأعمى لا يبصر فنأكل جيد الطعام دونه ، والأعرج لا يتمكن من الجلوس ، والمريض يضعف عن الأكل ، وقيل : إن المسلمين كانوا إذا غزوا خلّفوا زمناهم وكانوا يدفعون اليهم مفاتيح أبوابهم ويقولون : قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا ، فكان أولئك يتحرّجون من ذلك ويقولون : لا ندخلها وهم غيّب ، فنفى الله سبحانه الحرج عن الزمنى في أكلهم من بيت أقاربهم ، أو من بيت من يدفع اليهم المفتاح إذا خرج للغزو ، عن سعيد بن المسيّب والزهري (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ) أي وليس عليكم حرج في أنفسكم (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) معناه : من بيوت أولادكم ، فنسب بيوت الأولاد إلى الآباء لأن الأولاد كسبهم وأموالهم كأموالهم (أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ) إلى قوله (أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ) هذه الرخصة في أكل مال القرابات وهم لا يعلمون ذلك كالرخصة لمن دخل حائطا وهو جائع أن يصيب من ثمره ، أو مرّ في سفره بغنم وهو عطشان أن يشرب من رسله ، توسعة منه على عباده ولطفا لهم ، ورغبة بهم عن دناءة الأخلاق (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) معناه : أو بيوت عبيدكم ومماليككم ، وذلك أن السيد يملك منزل عبده ، والمفاتح هنا الخزائن لقوله : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) (أَوْ صَدِيقِكُمْ) رفع الحرج عن الأكل في بيت صديقه بغير إذن إذا كان عالما بأنه تطيب نفسه بذلك والصديق : هو الذي صدقك عن مودّته (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) أي مجتمعين أو متفرقين ، وذكر في تأويله : وجوه (أحدها) ان حيا من كنانة كان الرجل منهم لا يأكل وحده ، فإن لم يجد من يؤاكله لم يأكل شيئا ، وربما كانت معه الإبل الحفّل فلا يشرب من ألبانها حتى يجد من يشاربه ، فأعلم الله سبحانه أن الرجل منهم إن أكل وحده فلا إثم عليه (وثانيها) ان معناه : لا بأس بأن يأكل الغني مع الفقير في بيته ، فإن الغني كان يدخل على الفقير من ذوي قرابته أو صداقته فيدعوه إلى طعامه فيتحرج عن ابن عباس (وثالثها)