انهم كانوا إذا نزل بهم ضيف تحرجوا أن يأكلوا إلا معه ، فأباح الله سبحانه الأكل على الانفراد وعلى الاجتماع (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) أي ليسلم بعضكم على بعض عن الحسن فيكون كقوله أن اقتلوا أنفسكم وقيل معناه : فسلّموا على أهليكم وعيالكم ، عن جابر وقتادة والزهري والضحّاك ، وقيل معناه : فإذا دخلتم بيوتا ، يعني المساجد فسلّموا على من فيها ، عن ابن عباس (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي هذه تحية حيّاكم الله بها عن ابن عباس وقيل معناه علمها الله وشرعها لكم فإنهم كانوا يقولون أنعم صباحا ثم وصف التحية فقال (مُبارَكَةً طَيِّبَةً) أي إذا ألزمتموها كثر خيركم ، وطاب أجركم وقيل مؤبدة حسنة جميلة عن ابن عباس وقيل إنما قال مباركة لأن معنى السلام عليكم حفظكم الله وسلّمكم الله من الآفات فهو دعاء بالسلامة من آفات الدنيا والآخرة وقال طيبة لما فيها من طيب العيش بالتواصل وقيل لما فيها من الأجر الجزيل والثواب العظيم (كَذلِكَ) أي كما بيّن لكم هذه الأحكام والآداب (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) أي دلالة على جميع ما يتعبّدكم به (وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أي لتعقلوا معالم دينكم.
٦٢ ـ ٦٤ لمّا تقدّم ذكر المعاشرة مع الأقرباء والمسلمين بيّن سبحانه في هذه الآية كيفية المعاشرة مع النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) أي ليس المؤمنون على الحقيقة إلا الذين صدقوا بتوحيد الله وعدله ، وأقرّوا بصدق رسوله (وَإِذا كانُوا مَعَهُ) أي مع رسوله (عَلى أَمْرٍ جامِعٍ) وهو الذي يقتضي الإجماع عليه والتعاون فيه ، من حضور حرب ، أو مشورة في أمر ، أو صلاة جمعة ، أو ما أشبه ذلك (لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) أي لم ينصرفوا عن الرسول أو عن ذلك الأمر إلّا بعد أن يطلبوا الإذن منه في الإنصراف (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ) يا محمد (أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) أي فهم الذين يصدقون بالله ورسوله على الحقيقة دون الذين ينصرفون بلا استئذن (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ) أي متى ما استأذنك هؤلاء المؤمنون أن يذهبوا لبعض مهماتهم وحاجاتهم (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) خيّر سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بين أن يأذن وأن لا يأذن ، وهكذا حكم من قام مقامه من الأئمة (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ) أي واطلب المغفرة لهم من الله بخروجهم من جملة من معك ، واستغفار النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لهم هو دعاؤه لهم باللطف الذي تقع معه المغفرة (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) للمؤمنين ، أي ساتر لذنوبهم (رَحِيمٌ) بهم أي منعم عليهم. ثم أمر سبحانه جميع المكلفين فقال (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) إنه سبحانه علّمهم تفخيم النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في المخاطبة واعلمهم فضله فيه على سائر البرية والمعنى : لا تقولوا له عند دعائه يا محمد ، أو يا ابن عبد الله ، ولكن قولوا : يا رسول الله ، يا نبيّ الله ، في لين وتواضع وخفض صوت (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً) كانوا يتسللون في الجهاد رجوعا عنه (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) حذرهم سبحانه عن مخالفة نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أي فليحذر الذين يعرضون عن أمر الله تعالى (أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) عقوبة في الدنيا (أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة ، وفي هذا دلالة على أن أوامر ، النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على الإيجاب ، لأنها لو لم تكن كذلك لما حذر سبحانه عن مخالفته (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي له التصرف في جميع ذلك ولا يجوز لأحد الاعتراض عليه ، ولا مخالفة أمره ، فليس للعبد أن يخالف أمر مالكه (قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) من الخيرات والمعاصي ، ومن الإيمان والنفاق ، ولا يخفى عليه شيء من أحوالكم (وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ) يعني يوم البعث ، يعلمه الله سبحانه متى هو (فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا)