قال الزجاج كل شيء كسرته وفتته فقد تبّرته (وَلَقَدْ أَتَوْا) يعني كفار مكة (عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ) يعني قرية قوم لوط أمطروا بالحجارة (أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها) في أسفارهم إذا مرّوا بها فيخافوا ويعتبروا (بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً) يعني بل رأوها وإنما لم يعتبروا بها لأنهم كانوا لا يخافون البعث وقيل لا يأملون ثوابا ولا يؤمنون بالنشأة الثانية فركبوا المعاصي.
٤١ ـ ٥٠ ـ ثم حكى سبحانه عن الكفار الذين وصفهم فيما تقدم فقال (وَإِذا رَأَوْكَ) أي وإذا شاهدوك يا محمد (إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) والمعنى أنهم يستهزؤون بك ويستصغرونك ويقولون على وجه السخرية (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) أي بعثه الله إلينا رسولا (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا). لقد كاد يصرفنا عن عبادة آلهتنا (لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها) أي على عبادتها فقال سبحانه متوعّدا لهم (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ) الذي ينزل بهم في الآخرة عيانا (مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً) أي من أخطأ طريقا عن الهدى أهم أم المؤمنون؟ ثم عجّب سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم من نهاية جهلهم فقال (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) أي من جعل إلهه ما يهواه ، وهو غاية الجهل ، وكان الرجل من المشركين يعبد الحجر والصنم فإذا رأى أحسن منه رمى به وأخذ يعبد الآخر (أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) أي أفأنت كفيل حافظ يحفظه من اتباع هواه وعبادة ما يهواه من دون الله؟ أي لست كذلك. ثم قال للنّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم (أَمْ تَحْسَبُ) يا محمد (أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ) ما تقوله سماع ، طالب للافهام (أَوْ يَعْقِلُونَ) ما تقوله لهم ، وتقرأ عليهم ، وما يعاينونه من المعجزات والحجج ، أي لا تظن ذلك (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ) أي ما هم إلّا كالبهائم التي تسمع النداء ولا تعقل (بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) من الأنعام لأنهم مكّنوا من المعرفة فلم يعرفوا والأنعام لم يمكنوا منها ، ولأن الأنعام الهمت منافعها ومضارها فهي لا تفعل ما يضرّها ، وهؤلاء عرفوا طريق الهلاك والنجاة وسعوا في هلاك أنفسهم ، وتجنّبوا سبيل نجاتهم فهم أضلّ منها. ثم نبّه سبحانه على النظر فيما يدل على وحدانيته ، وكمال قدرته فقال (أَلَمْ تَرَ) الخطاب للنّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والمراد به سائر المكلفين (إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) أي ألم تر إلى فعل ربك كيف مدّ الظل من وقت غروب الشمس إلى وقت طلوعها (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) أي مقيما دائما لا يزول ولا تنسخه الشمس ، فهو مثل قوله سبحانه : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ) أي على الظل (دَلِيلاً) قال ابن عباس : تدل الشمس على الظل بمعنى أنه لولا الشمس لما عرف الظل ، ولولا النور لما عرفت الظلمة ، وكل الأشياء تعرف بأضدادها (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) أي قبضنا الظل بارتفاع الشمس ، لأن الشمس كلما تعلو ينقص الظل ، فجعل سبحانه ذلك قبضا واخبر أن ذلك يسير بمعنى : انه سهل عليه لا يعجزه (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً) أي غطاء ساترا للأشياء بالظلام كاللباس الذي يشتمل على لابسه ، فالله سبحانه ألبسنا الليل وغشانا به لنسكن ونستريح من كدّ الأعمال كما قال في موضع آخر : (لِتَسْكُنُوا فِيهِ) (وَالنَّوْمَ سُباتاً) أي راحة لأبدانكم ، وقطعا لأعمالكم (وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) لأنّ الناس ينتشرون فيه لطلب حوائجهم ومعايشهم (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) مضى الكلام فيه في سورة الأعراف (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) أي طاهرا في نفسه ، ومطهّرا لغيره ، مزيلا للأحداث والنجاسات (لِنُحْيِيَ
__________________
قال الإمام الصادق (ع): شكا رجل الى النبي صلىاللهعليهوآله وجعا في صدره ، فقال (ص) : استشف بالقرآن ، فإنّ الله عزوجل يقول ((وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ)) أصول الكافي ٢ / ٥٧٥.