٣١ ـ ٤٠ ثم عزّى الله سبحانه نبيّه بقوله (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) أي وكما جعلنا لك عدوا من مشركي قومك جعلنا لكل نبي عدوا من كفار قومه والمعنى في جعله إيّاهم عدوّا لأنبيائه أنّه تعالى أمر الأنبياء عليهمالسلام أن يدعوهم الى الإيمان بالله تعالى ، وترك ما ألفوه من دينهم ودين آبائهم ، وإلى ترك عبادة الأصنام وذمها وكانت هذه أسبابا داعية الى العداوة (وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً) أي حسبك بالله هاديا إلى الحق ، وناصرا لأوليائه في الدنيا والآخرة على أعدائهم (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) معناه : وقال الكفار لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : هلا أتيتنا بالقرآن جملة واحدة كما أنزلت التوراة والإنجيل والزبور جملة واحدة ، قال الله تعالى (كَذلِكَ) أي نزّلناه كذلك متفرّقا (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) أي لنقوّي به قلبك فتزداد بصيرة ، وذلك انه إذا كان يأتيه الوحي متجددا في كل حادثة وكل أمر كان ذلك أقوى لقلبه ، وأزيد في بصيرته (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) أي بيّناه تبيينا ، ورسّلناه ترسيلا ، بعضه في أثر بعض. وروي أن النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : يا ابن عباس إذا قرأت القرآن فرتّله ترتيلا قال : وما الترتيل؟ قال : بيّنه تبيينا ولا تنثره نثر الدقل ، ولا تهذّه هذّ الشعر ، قفوا عند عجائبه ، وحرّكوا به القلوب ، ولا يكونن همّ أحدكم آخر السورة (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ) أي ولا يأتيك المشركون بمثل يضربونه لك في إبطال أمرك ومخاصمتك (إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِ) الذي يبطله ويدحضه (وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) أي وبأحسن تفسيرا مما أتوا به من المثل أي : بيانا وكشفا (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ) أي يسحبون على وجوههم إلى النار وهم كفار مكة ، وذلك أنهم قالوا : لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه هم شرّ خلق الله ، فقال الله سبحانه (أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً) أي منزلا ومصيرا (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) أي دينا وطريقا من المؤمنين. وروى أنس ان رجلا قال : يا نبيّ الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال : ان الذي أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة أورده البخاري في الصحيح. ثم ذكر سبحانه حديث الأنبياء وأممهم تسلية للنبي فقال (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) يعني التوراة (وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً) أي معينا يعينه على تبليغ الرسالة ، ويتحمل عنه بعض أثقاله (فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) يعني فرعون وقومه وفي الكلام حذف أي فذهبا إليهم فلم يقبلوا منهما وجحدوا نبوتهما (فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً) أي أهلكناهم إهلاكا بأمر فيه أعجوبة (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ) أي وأغرقنا قوم نوح بالطوفان ، وهو مجيء السماء بماء منهمر ، وتفجير الأرض عيونا حتى التقى الماء على أمر قد قدر ، قال الزجاج من كذب نبيّا فقد كذب بجميع الأنبياء (وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً) أي عبرة وعظة (وَأَعْتَدْنا) وهيّأنا (لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً) سوى ما حلّ بهم في الدنيا (وَعاداً وَثَمُودَ) أي وأهلكنا عادا وثمودا (وَأَصْحابَ الرَّسِ) وهو بئر رسوا فيها نبيهم ، أي القوه فيها عن عكرمة وقيل : انهم كانوا أصحاب مواش ولهم بئر يقعدون عليها ، وكانوا يعبدون الأصنام ، فبعث الله إليهم شعيبا فكذّبوه فانهار البئر ، وانخسفت بهم الأرض فهلكوا ، عن وهب وقيل : الرس قرية باليمامة يقال لها فلج ، قتلوا نبيّهم فأهلكهم الله ، عن قتادة وقيل : كان لهم نبيّ يسمى حنظلة فقتلوه فأهلكوا ، وقيل : أصحاب الرس كان نساؤهم سحاقات عن أبي عبد الله عليهالسلام (وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً) أي واهلكنا أيضا قرونا كثيرا بين عاد وأصحاب الرس على تكذيبهم وقيل بين نوح وأصحاب الرس والقرن سبعون سنة وقيل أربعون سنة عن إبراهيم (وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ) أي وكلا بيّنا لهم أن العذاب نازل بهم إن لم يؤمنوا عن مقاتل وقيل معناه بيّنا لهم الأحكام في الدين والدنيا (وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً) أي وكلا أهلكنا إهلاكا على تكذيبهم وجحودهم