٢١ ـ ٣٠ ثم حكى سبحانه عن حال الكفار بقوله (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) أي لا يأملون لقاء جزائنا ، وهذا عبارة عن إنكارهم البعث والمعاد (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) أي هلا انزل الملائكة ليخبرونا بأن محمدا نبيّ (أَوْ نَرى رَبَّنا) فيخبرنا بذلك ، ويأمرنا باتباعه وتصديقه. ثم أقسم الله عزّ اسمه فقال (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا) بهذا القول (فِي أَنْفُسِهِمْ) أي طلبوا الكبر والتجبر بغير حق (وَعَتَوْا) بذلك أي طغوا وعاندوا (عُتُوًّا كَبِيراً) أي طغيانا وعنادا عظيما ، وتمرّدوا في رد أمر الله تعالى غاية التمرد ، ثم اعلم سبحانه أن الوقت الذي يرون فيه الملائكة هو يوم القيامة ، وأن الله تعالى قد حرمهم البشرى في ذلك اليوم فقال (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ) يعني يوم القيامة (لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) أي لا بشارة لهم بالجنة والثواب (وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) أي ويقول الملائكة لهم : حراما محرما عليكم سماع البشرى (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) أي قصدنا وعمدنا ، وفي هذا بلاغة عجيبة لأن التقدير : قصدنا إليه قصد القادم على ما يكرهه مما لم يكن رآه قبل فيغيره ؛ وأراد به العمل الذي عمله الكفار في الدنيا مما رجوا به النفع والأجر ، وطلبوا به الثواب والبر نحو : انصافهم لمن يعاملهم ، ونصرهم للمظلوم ، واعتاقهم ، وصدقاتهم (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) الغبار يدخل الكوة من شعاع الشمس والمعنى : تذهب أعمالهم باطلا فلم ينتفعوا بها من حيث عملوها لغير الله. ثم ذكر سبحانه فضل أهل الجنة على أهل النار فقال (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ) يعني يوم القيامة (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) أي أفضل منزلا في الجنة (وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) أي موضع قائلة. قال الأزهري : القيلولة عند العرب الاستراحة نصف النهار إذا اشتدّ الحر وإن لم يكن مع ذلك نوم ؛ وقال ابن عباس وابن مسعود : لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) المعنى : تتشقق السماء وعليها غمام ، وإنّما تتشقق السماء لنزول الملائكة وهو قوله (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) قال ابن عباس تتشقق السماء الدنيا فينزل أهلها وهم أكثر ممن في الأرض من الجن والإنس ، ثم تتشقق السماء الثانية فينزل أهلها وهم أكثر ممن في السماء الدنيا من الإنس والجن ، ثم كذلك حتى تتشقق السماء السابعة وأهل كل سماء يزيدون على أهل السماء التي قبلها (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ) أي الملك الذي هو الملك حقا ملك الرحمن يوم القيامة ، ويزول ملك سائر الملوك فيه (وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) أعسر عليهم ذلك اليوم لشدته ومشقته ، ويهون على المؤمنين كأدنى صلاة صلّوها في دار الدنيا ، وفي هذا بشارة للمؤمنين حيث خصّ بشدة ذلك اليوم الكافرين (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ) ندما وأسفا (يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) أي ليتني اتّبعت محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم واتّخذت معه سبيلا إلى الهدى (يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً) المراد به كل خليل يضلّ عن الدين (لَقَدْ أَضَلَّنِي) أي صرفني وردّني (عَنِ الذِّكْرِ) أي عن القرآن والإيمان به (بَعْدَ إِذْ جاءَنِي) مع الرسول. وتمّ الكلام هنا ، ثم قال الله (وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً) لأنه يتبرأ منه في الاخرة ويسلمه إلى الهلاك ، ولا يغني عنه شيئا (وَقالَ الرَّسُولُ) يعني محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم يشكو قومه (يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) يعني هجروا القرآن وهجروني وكذّبوني ، والمعنى : جعلوه متروكا لا يسمعونه ولا يتفهمونه وقيل : إن قوله : (وَقالَ الرَّسُولُ) معناه : ويقول ، كما في قول الشاعر :
مثل العصافير احلاما ومقدرة |
|
أو يوزنون بزفّ الريش ما وزنوا |