قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال وقيل : قرنوا مع الشياطين في السلاسل والأغلال عن الجبائي (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) أي دعوا بالويل والهلاك على أنفسهم كما يقول القائل : واثبورا : أي واهلاكاه وقيل واانصرافاه عن طاعة الله ، فتجيبهم الملائكة (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) أي لا تدعوا ويلا واحدا وادعوا ويلا كثيرا ، أي لا ينفعكم هذا وإن كثر منكم قال الزجاج معناه هلاككم أكبر من أن تدعوا مرة واحدة (قُلْ) يا محمد (أَذلِكَ) يعني ما ذكره من السعير (خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ) تلك الجنة (لَهُمْ جَزاءً) على أعمالهم (وَمَصِيراً) أي مرجعا ومستقرا (لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ) ويشتهون من المنافع واللذات (خالِدِينَ) مؤبدين لا يفنون فيها (كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً) قال ابن عباس معناه : ان الله سبحانه وعد لهم الجزاء فسألوه الوفاء فوفى وقيل معناه : ان الملائكة سألوا الله تعالى ذلك لهم فأجيبوا إلى مسألتهم وذلك قولهم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ، عن محمد بن كعب وقيل : انهم سألوا الله تعالى في الدنيا الجنة بالدعاء ، فأجابهم في الآخرة إلى ما سألوا ، وأتاهم ما طلبوا (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) أي نجمعهم (وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) يعني عيسى وعزير والملائكة عن مجاهد وقيل : يعني الأصنام عن عكرمة والضحاك (فَيَقُولُ) يعني الله لهؤلاء المعبودين (أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ) أي طريق الجنة والنجاة يعني المعبودين من الملائكة والأنس ، أو الأصنام إذا أحياهم الله وانطقهم (قالُوا سُبْحانَكَ) تنزيها لك عن الشريك ، وعن ان يكون معبود سواك (ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ) أي ليس لنا أن نوالي أعداءك ، بل أنت وليّنا من دونهم وقيل معناه ما كان يجوز لنا وللعابدين وما كان يحقّ لنا أن نأمر أحدا بأن يعبدنا ولا يعبدك (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) معناه : ولكن طوّلت أعمارهم وأعمار آبائهم ، ومتعتهم بالأموال والأولاد بعد موت الرسل حتى نسوا الذكر المنزل على الأنبياء وتركوه (وَكانُوا قَوْماً بُوراً) أي هلكى فاسدين. هذا تمام الحكاية عن قول المعبودين من دون الله ، فيقول الله سبحانه عند تبرء المعبودين من عبدتهم (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ) أي كذّبكم المعبودون أيّها المشركون (بِما تَقُولُونَ) أي بقولكم انهم آلهة شركاء الله (فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً) أي فما يستطيع المعبودون صرف العذاب عنكم (وَلا نَصْراً) لكم بدفع العذاب عنكم (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ) نفسه بالشرك وارتكاب المعاصى (نُذِقْهُ) فى الآخرة (عَذاباً كَبِيراً) أي شديدا عظيما. ثم رجع سبحانه إلى مخاطبة النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ) يا محمد (مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) قال الزجاج : وهذا احتجاج عليهم في قوله : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) ، أي فقل لهم : كذلك كان من خلا من الرسل ، فكيف يكون محمد بدعا منهم (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) أي امتحانا وابتلاء ، وهو افتتان الفقير بالغني يقول : لو شاء الله لجعلني مثله غنيا ، والأعمى بالبصير يقول : لو شاء الله لجعلني مثله بصيرا ، وكذلك السقيم بالصحيح عن الحسن وقيل : هو ابتلاء فقراء المؤمنين بالمستهزئين من قريش كانوا يقولون : انظروا إلى هؤلاء الذين اتّبعوا محمدا من موالينا ورذالنا ؛ فقال الله لهولاء الفقراء (أَتَصْبِرُونَ) أيّها الفقراء على الأذى والاستهزاء ، وكان ربّك بصيرا ، إن صبرتم فاصبروا فأنزل الله فيهم : (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا) عن مقاتل وقيل معناه : أتصبرون أيها الفقراء على فقركم ولا تفعلون ما يؤدي إلى مخالفتنا أتصبرون أيها الأغنياء فتشكرون ولا تفعلون ما يؤدّي إلى مخالفتنا (وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) أي عليما فيغني من أوجبت الحكمة اغناءه ، ويفقر من أوجبت الحكمة افقاره وقيل : بصيرا بمن يصبر وبمن يجزع.