العزى ، ويسار غلام العلاء بن الحضرمي ، وجبر مولى عامر ، وكانوا من أهل الكتاب وقيل انهم قالوا أعانه قوم من اليهود عن مجاهد (فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً) أي فقد قالوا شركا وكذبا حين زعموا أن القرآن ليس من الله ومتى قيل كيف اكتفى بهذا القدر في جوابهم قلنا إنه لمّا تقدّم التحدّي وعجزهم عن الإتيان بمثله اكتفى هاهنا بالتنبيه على ذلك (وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها) معناه : وقالوا أيضا هذه أحاديث المتقدمين وما سطروه في كتبهم انتسخها وقيل استكتبها (فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) أي تملى عليه طرفي نهاره حتى يحفظها وينسخها والأصيل : العشي لأنه أصل الليل وأوله. وفي هذا بيان مناقضتهم وكذبهم لأنهم قالوا : افتراه ثم قالوا : تملى عليه فقد افتراه غيره ، وقالوا : إنه كتب وقد علموا أنه كان لا يحسن الكتابة فكيف كتب؟ ثم قال سبحانه (قُلْ) يا محمد لهم تكذيبا لقولهم (أَنْزَلَهُ) أي أنزل القرآن (الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ) أي الخفيات (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) على ما اقتضاه علمه ببواطن الأمور (إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) حيث لم يعاجلهم بالعذاب ، بل أنعم عليم بإرسال الرسول إليهم لتأكيد الحجة ، وقطع المعذرة (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ) كما نأكل (وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) في طلب المعاش كما نمشي (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) أي هلا انزل إليه ملك فيكون معينا له على الإنذار والتخويف ؛ وهذا أيضا من مقالاتهم الفاسدة لأن الجنس إلى الجنس أميل ، وبه آنس (أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ) يستغني به عن طلب المعاش ، قال ابن عباس : أو ينزل إليه مال من السماء (أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) أي بستان يأكل من ثمارها (وَقالَ الظَّالِمُونَ) أي المشركون للمؤمنين (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) أي ما تتبعون إلا رجلا مخدوعا مغلوبا على عقله (انْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) أي الأشباه لأنهم قالوا : تارة هو مسحور ، وتارة هو محتاج متروك حتى تمنّوا له الكنز ، وتارة انه ناقص عن القيام بالأمور (فَضَلُّوا) بهذا عن الهدى وعن وجه الصواب وطريق الحق (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) معناه : لا يستطيعون سبيلا إلى إبطال أمرك (تَبارَكَ) أي تقدّس (الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ) الذي اقترحوه من الكنز والبستان ، ثم فسّر الذي هو خير مما اقترحوه فقال (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ليكون أبلغ في الزهو ، وأسرع في نضج الثمار (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) أي وسيجعل لك قصورا في كل بستان قصرا ، والقصور : البيوت المبنية المشيدة المطولة ، أي سيعطيك الله في الآخرة أكثر ما قالوا.
١١ ـ ٢٠ ثم بيّن سبحانه سوء اعتقادهم ، وما أعدّه لهم على قبيح فعالهم ومقالهم فقال (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ) أي ما كذّبوك لأنك تأكل الطعام وتمشي في الأسواق ، بل لأنهم لم يقرّوا بالبعث والنشور ، والثواب والعقاب (وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً) أي نارا تتلظى. ثم وصف ذلك السعير فقال (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) أي من مسيرة مائة عام عن السدي والكلبي ، وقال أبو عبد الله عليهالسلام من مسيرة سنة ، ونسب الرؤية إلى النار وإنما يرونها هم لأن ذلك أبلغ ، كأنها تراهم رؤية الغضبان الذي يزفر غيظا ، وذلك قوله (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) وتغيظها : تقطعها عند اضطرابها ، وزفيرها : صوتها عند شدة التهابها كالتهاب الرجل المغتاظ والغيظ لا يسمع وإنما يعلم بدلالة الحال عليه وقيل معناه : سمعوا لها صوت تغيظ وغليان. قال عبيد بن عمير : إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى نبي ولا ملك إلّا خرّ لوجهه وقيل : التغيظ للنار ، والزفير لأهلها ، كأنه يقول : رأوا للنار تغيظا ، وسمعوا لأهلها زفيرا (وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً) من النار في مكان ضيق يضيق عليهم كما يضيق الزج في الرمح ، عن أكثر المفسرين وفي الحديث قال عليهالسلام في هذه الآية والذي نفسي بيده انهم يستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط (مُقَرَّنِينَ) أي مصفدين ،