إليه فإنه ينتقم لك ولو بعد حين ، فإنه الحي الذي لا يموت فلن يفوته الانتقام (وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) أي أحمده منزّها له عمّا لا يجوز عليه في صفاته بأن تقول : الحمد لله ربّ العالمين ، الحمد لله على نعمه وإحسانه الذي لا يقدر عليه غيره ، الحمد لله حمدا يكافىء نعمه في عظيم المنزلة ، وعلوّ المرتبة ، وما أشبه ذلك (وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً) أي عليما فيحاسبهم ويجازيهم بها ، فحقيق بهم أن يخافوه ويراقبوه (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) أي ما بين هذين الصنفين (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ) قد سبق تفسيره في سورة الأعراف (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) فاسأل عنه خبيرا ، والباء بمعنى عن ، والخبير ها هنا هو الله تعالى (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) أي لهؤلاء المشركين (اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) أي وأيّ شيء الرحمن؟ والمعنى : إنا لا نعرف الرحمن (أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا) مرّ تفسيره (وَزادَهُمْ نُفُوراً) أي زادهم ذكر الرحمن تباعدا من الإيمان.
٦١ ـ ٧٠ ـ ثم مدح سبحانه نفسه بأن قال (تَبارَكَ) وقد مرّ معناه في أول السورة (الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً) يريد منازل النجوم السبعة السيارة التي هي : زحل والمشتري والمريخ والشمس والزهرة وعطارد والقمر ، وهي اثنا عشر برجا : الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت ؛ وسميت بروجا لظهورها (وَجَعَلَ فِيها سِراجاً) يعني الشمس (وَقَمَراً مُنِيراً) أي مضيئا بالليل اذ لم تكن شمس (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً) أي يخلف كل واحد منهما صاحبه فيما يحتاج أن يعمل فيه ، فمن فاته عمل الليل استدركه بالنهار ، ومن فاته عمل النهار استدركه بالليل (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ) أي يتفكر ويستدل بذلك على ان لهما مدبّرا ومصرّفا لا يشبههما ولا يشبهانه ، فيوجّه العبادة إليه (أَوْ أَرادَ شُكُوراً) أي أراد شكر نعمة ربه عليه فيهما (وَعِبادُ الرَّحْمنِ) يريد أفاضل عباده وهذه اضافة التخصيص والتشريف كما يقال : إبني من يطيعني ، أي ابني الذي أنا عنه راض ، ويكون توبيخا لأولاده الذين لا يطيعونه (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) أي بالسكينة والوقار والطاعة غير أشرين ولا مرحين ولا متكبرين ولا مفسدين عن ابن عباس ومجاهد ؛ وقال أبو عبد الله عليهالسلام : هو الرجل يمشي بسجيته التي جبل عليها لا يتكلف ولا يتبختر وقيل معناه حلماء علماء لا يجهلون وان جهل عليهم عن الحسن وقيل : أعفّاء اتقياء عن الضحاك (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ) بما يكرهونه أو يثقل عليهم (قالُوا) في جوابه (سَلاماً) أي سدادا من القول لا يقابلونهم بمثل قولهم من الفحش ، عن مجاهد وقيل : سلاما أي قولا يسلمون فيه من الاثم ، أو سلموا عليهم ، ودليلهم قوله (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) ، وقال قتادة : كانوا لا يجاهلون أهل الجهل وقال إبن عباس : لا يجهلون مع من يجهل ، قال الحسن : هذه صفة نهارهم اذا انتشروا في الناس ، وليلهم خير ليل إذا خلوا فيما بينهم وبين ربهم يراوحون بين أطرافهم وهو قوله (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً) قال الزجاج : كل من أدركه الليل فقد بات نام أو لم ينم. المعنى : يبيتون لربهم بالليل في الصلاة ساجدين وقائمين طالبين لثواب ربهم ، فيكونون سجّدا في مواضع السجود ، وقياما في مواضع القيام (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً) أي يدعون بهذا القول وغراما : أي لازما ملحّا دائما غير مفارق (إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) أي إن جهنم بئس موضع قرار وإقامة هي (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) واختلف في معنى الإسراف فقيل : هو النفقة في المعاصي ، والاقتار الإمساك عن حق الله تعالى عن ابن عباس ، وقيل : السرف :