مجاوزة الحد في النفقة ، والاقتار : التقصير عما لا بدّ منه. وروي عن معاذ انه قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن ذلك فقال : من اعطى في غير حقّ فقد أسرف ، ومن منع عن حق فقد قتر (وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) أي وكان انفاقهم بين الإسراف والإقتار ، لا إسرافا يدخلون به في حدّ التبذير ، ولا تضييقا يصيرون به في حدّ المانع لما يجب ، وهذا هو المحمود ، والقوام من العيش ما أقامك وأغناك ، وقيل : القوام بالفتح هو العدل والاستقامة ، وبالكسر : ما يقوم به الأمر ويستقر ، عن تغلب ؛ وقال أبو عبد الله (ع): القوام : هو الوسط (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) أي لا يجعلون لله سبحانه شريكا بل يوجّهون عبادتهم إليه وحده (وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ) أي حرّم الله قتلها (إِلَّا بِالْحَقِ) والنفس المحرم قتلها نفس المسلم والمعاهد ، والمستثناة قتلها نفس الحربي ومن يجب قتلها على وجه القود والارتداد ، أو للزناء بعد الإحصان ، وللسعي في الأرض بالفساد (وَلا يَزْنُونَ) والزنا : هو الفجور بالمرأة ، وفي هذا دلالة على ان اعظم الذنوب بعد الشرك القتل والزنا. وعن عبد الله بن مسعود قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أيّ الذنب أعظم؟ قال : ان تجعل لله ندّا وهو خلقك قلت : ثم أيّ؟ قال : ان تزاني حليلة جارك ؛ فأنزل الله تصديقها : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) الآية (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) هذه الخصال جميعا (يَلْقَ أَثاماً) أي عقوبة وجزاء لما فعل. ثم فسّر سبحانه لقي الآثام بقوله (يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) يريد سبحانه مضاعفة أجزاء العذاب لا مضاعفة الاستحقاق ، لأنه تعالى لا يجوز أن يعاقب بأكثر من الاستحقاق لأن ذلك ظلم وهو منفي عنه (وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً) أي ويدوم في العذاب مستحقا به. ثم استثنى من جملتهم التائب بقوله (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) معناه ان يمحو السيئة عن العبد ويثبت له بدلها الحسنة (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) أي ساترا لمعاصي عباده (رَحِيماً) أي منعما عليهم بالرحمة.
٧١ ـ ٧٧ ثم قال سبحانه (وَمَنْ تابَ) أي أقلع عن معاصيه وندم عليها (وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً) أي يرجع إليه مرجعا عظيما جميلا. ثم عاد سبحانه إلى وصف عباده المخلصين فقال (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) أي لا يحضرون مجالس الباطل ، ويدخل فيه مجالس الغناء والفحش والخناء (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) واللغو : المعاصي كلها ، أي مرّوا به مرّ الكرماء الذين لا يرضون باللغو لأنهم يجلون عن الدخول فيه ، والاختلاط بأهله ، والتقدير : إذا مرّوا بأهل اللغو وذوي اللغو مرّوا منزّهين أنفسهم ، معرضين عنهم ، فلم يجاروهم فيه ، ولم يخوضوا معهم في ذلك ؛ فهذه صفة الكرام بقال : تكرم فلان عما يشينه اذا تنزّه وأكرم نفسه عنه (وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ) (رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً) أي إذا وعظوا بالقرآن والأدلة التي نصبها الله لهم نظروا فيها ، وتفكّروا في مقتضاها ، ولم يقعوا عليها صمّا كأنهم لم يسمعوها ، وعميانا كأنّهم لم يروها (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) معناه : أرزقنا من أزواجنا أولادا ، ومن ذريتنا أعقابا قرة أعين : أي أهل طاعة تقرّ بهم أعيننا في الدنيا بالصلاح ، وفي الآخرة بالجنة (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) أي اجعلنا ممن يقتدي بنا المتقون ؛ طلبوا العزّ بالتقوى لا بالدنيا (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ) أي يثابون الدرجة الرفيعة في الجنة (بِما صَبَرُوا) على أمر ربهم ، وطاعة نبيهم ، وعلى مشاقّ الدنيا ، وصعوبة التكليف ؛ والغرفة اسم لأعلى منازل الجنة وأفضلها (وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً) أي تتلقاهم الملائكة فيها بالتحية ، وهي : كل قول يسرّ به الإنسان ، وبالسلام بشارة لهم بعظيم الثواب (خالِدِينَ) أي مقيمين (فِيها) من غير موت ولا زوال (حَسُنَتْ) الغرفة