سليمان عليهالسلام ولم تعرفه هي ولا قومها ، ومعناه : لا تترفعوا ولا تتكبروا عليّ ، وأتوني مسلمين منقادين طائعين لأمري فيما أدعوكم وقيل مسلمين أي مؤمنين بالله تعالى ورسوله ، مخلصين في التوحيد قال قتادة وكذا كانت الأنبياء تكتب كتبها موجزة مقصورة على الدعاء إلى الطاعة من غير بسط.
٣٢ ـ ٣٧ ـ ولما وقفت بلقيس على كتاب سليمان (قالَتْ) لأشراف قومها (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي) أي أشيروا عليّ بالصواب ، والفتيا والفتوى : الحكم بما فيه صواب بدلا من الخطأ ، وهو الحكم بما يعمل عليه ، فجعلت المشورة هنا فتيا (ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً) أي ما كنت ممضية أمرا (حَتَّى تَشْهَدُونِ) أي تحضروني ، تريد إلّا بحضرتكم ومشورتكم ، وهذا ملاطفة منها لقومها في الإستشارة منهم لما تعمل عليه (قالُوا) لها في الجواب عن ذلك (نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ) أي أصحاب قوة وقدرة وأهل عدد (وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) أي وأصحاب شجاعة شديدة (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ) أي ان الأمر مفوّض إليك في القتال وتركه (فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) أي ما الذي تأمريننا به لنمتثله ، فإن أمرت بالصلح صالحنا ، وإن أمرت بالقتال قاتلنا (قالَتْ) مجيبة لهم عن التعريض بالقتال (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها) أي إذا دخلوها عنوة عن قتال وغلبة أهلكوها وخرّبوها (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً) أي أهانوا أشرافها وكبراءها كي يستقيم لهم الأمر والمعنى : أنها حذرتهم مسير سليمان إليهم ، ودخوله بلادهم. وانتهى الخبر عنها وصدقها الله فيما قالت فقال : (وَكَذلِكَ) أي وكما قالت هي (يَفْعَلُونَ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ) أي إلى سليمان وقومه (بِهَدِيَّةٍ) أصانعه بذلك عن ملكي (فَناظِرَةٌ) أي فمنتظرة (بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) بقبول أم ردّ ، وإنما فعلت ذلك لأنها عرفت عادة الملوك في حسن موقع الهدايا عندهم ، وكان غرضها أن يتبين لها بذلك أنه ملك أو نبي ، فإن قبل الهدية تبيّن أنه ملك وعندها ما يرضيه ، وان ردّها تبيّن أنه نبيّ ، قيل : أهدت له صفائح الذهب في أوعية من الديباج فلما بلغ ذلك سليمان أمر الجن فموهوا له الآجر بالذهب ثم أمر به فألقي في الطريق ، فلما جاؤوا رأوه ملقى في الطريق في كل مكان ، فلما رأوا ذلك صغر في أعينهم ما جاؤوا به (فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ) أي فلمّا جاء الرسول سليمان (قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ) أي تزيدونني مالا؟ وهذا استفهام انكار ، يعني أنه لا يحتاج إلى ما لهم (فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ) أي ما أعطاني الله من الملك والنبوة والحكمة خير مما أعطاكم من الدنيا وأموالها (بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) إذا أهدى بعضكم إلى بعض ، وأما أنا فلا أفرح بها ، أشار إلى قلة اكتراثه بأموال الدنيا ثم قال عليهالسلام للرسول (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ) بما جئت من الهدايا (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها) أي لا طاقة لهم بها ، ولا قدرة لهم على دفعها (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً) أي من أرضها وملكها (وَهُمْ صاغِرُونَ) أي ذليلون صغير والقدر ان لم يأتوني مسلمين. فلما ردّ سليمان الهدية علموا أنه نبيّ مرسل ، وأنه ليس كالملوك الذين يغترون بالمال.
٣٨ ـ ٤٤ ـ فلما رجع إليها الرسول ، وعرفت أنه نبيّ ، وأنها لا تقاومه ، فتجهّزت للمسير إليه ، وأخبر جبرائيل سليمان عليهالسلام أنها خرجت من اليمن مقبلة إليه (قالَ) سليمان لأماثل جنده ، وأشراف عسكره (يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) أراد أن يجعل ذلك دليلا ومعجزة على صدقه ونبوته ، لأنها خلفته في دارها وأوثقته ، ووكلت به ثقات قومها يحرسونه ويحفظونه وقوله مسلمين ، انه أراد مؤمنين موحّدين (قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِ) أي مارد قوي داهية (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) أي من مجلسك