عليهم أفعالهم (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) يعني الخصلة القبيحة الشنيعة الظاهرة القبح ، وهي اتيان الذكران في أدبارهم (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) أي تعلمون أنها فاحشة وقيل معناه : وأنتم يرى بعضكم ذلك من بعض. ثم بيّن سبحانه الفاحشة التي يأتونها فقال : (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ) اللاتي خلقهن الله لكم (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) أي تفعلون أفعال الجهال. قال ابن عباس : تجهلون القيامة وعاقبة العصيان (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) عن اتيان الرجال في أدبارهم (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها) أي جعلناها (مِنَ الْغابِرِينَ) أي الباقين في العذاب (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) وهو الحجارة (فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) الذين أبلغهم لوط النذارة ، وأعلمهم بموصع المخافة ليتّقوها فخالفوا ذلك. ثم قال سبحانه لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم (قُلِ) يا محمد (الْحَمْدُ لِلَّهِ) شكرا على نعمه بأن وفّقنا للإيمان وقيل : الحمد لله على هلاك الأمم الكافرة (وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) أي اصطفاهم الله واجتباهم واختارهم على بريته وهم الأنبياء ، عن مقاتل ، وقيل هم أصحاب محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم عن ابن عباس والحسن وقيل : هم أمة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم عن علي بن إبراهيم. ثم قال سبحانه مخاطبا للمشركين (آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) يا أهل مكة ، يعني الله خير لمن عبده أم الأصنام لعابديها؟ وهذا الزام للحجة على المشركين بعد ذكر هلاك الكفار ، والمعنى : ان الله تعالى نجّى من عبده من الهلاك ، والأصنام لم تغن شيئا عن عابديها عند نزول العذاب ، وإنّما قال ذلك لأنهم توهموا في عبادة الأصنام خيرا.
٦٠ ـ ٦٥ ـ ثم عدّد سبحانه الدلائل على توحيده ونعمه الشاملة لعبيده فقال : (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) وتقديره : أما تشركون خير أم من خلق السموات والأرض؟ أي أنشأهما واخترعهما (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً) أي غيثا ومطرا لكم أي لمنافعكم ولأجل معاشكم. عرّفهم سبحانه ان غيره لا يقدر على ذلك (فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ) أي رياضا وبساتين ، وما لم يكن عليه حائط لا يقال له حديقة (ذاتَ بَهْجَةٍ) اي ذات منظر حسن يبتهج به من رآه ولم يقل ذوات بهجة لأنه أراد تأنيث الجماعة ، ولو أراد تأنيث الأعيان لقال : ذوات وقال الشاعر :
وسوف يعقبنيه إن ظفرت به |
|
ربّ كريم وبيض ذات أطهار |
(ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) ما هنا للنفي ، أي لم يكونوا يقدرون على انبات شجرها (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) وهذا استفهام انكار معناه : هل معه معبود سواه أعانه على صنعه (بَلْ) ليس معه إله (هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) يشركون بالله غيره. يعني كفار مكة (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً) أي مستقرة لا تميل ولا تميد بأهلها ويقال للروضة المنخفضة قرارة ، ومنه حديث ابن عباس قال : علمي في علم علي عليهالسلام كالقرارة في المثعنجر ، أي كالغدير في البحر. والبرهان : البيان بحجّة (وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً) أي وجعل وسط الأرض وفي مسالكها ونواحيها أنهارا جارية ينبت بها الزرع ، ويحيا بها الخلق (وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ) أي جبالا ثوابت أثبت بها الأرض (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً) أي مانعا من قدرته بين العذب والملح فلا يختلط أحدهما بالآخر (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) توحيد ربهم وكمال قدرته وسلطانه (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ) أي يجيب المكروب المجهود فيكشف ضرّه وكربه ، واجابة دعاء المضطر هي فعل ما يدعو به وهذا لا يكون إلا من قادر على الإجابة مختار لها ؛ ورأس المضطرين المذنب الذي يدعوه ويسأله المغفرة ، ومنهم