الإيمان (وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ) وهو ما يضيق به الصدر (مِمَّا يَمْكُرُونَ) أي يدبّرون في أمرك فإن الله تعالى يحفظك وينصرك عليهم (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) الذي تعدنا يا محمد من العذاب (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) بأنه يكون (قُلْ) يا محمد (عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ) أي قرب لكم عن ابن عباس وقيل : أقرب لكم ، عن السدي وقيل : أردف لكم عن قتادة (بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) من العذاب ، وعسى من الله واجب ، فمعناه : أنه قرب منكم وسيأتيكم ، وهذا البعض الذي دنا لهم القتل والأسر يوم بدر وسائر العذاب لهم فيما بعد الموت وقيل : هو الإنذار عند الموت وشدته وعذاب القبر ، عن الجبائي (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) بضروب النعم الدينية والدنيوية وقيل : بإمهالهم ليتوبوا ، والفضل : هو الزيادة من الله تعالى للعبد على ما يستحقه بشكره ، والعدل : حقّ للعبد ، والفضل فيه واقع من الله تعالى إلا انه على ما يصحّ وتقتضيه الحكمة (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) نعمه (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ) أي تخفيه وتستره (وَما يُعْلِنُونَ) أي ويعلم ما يظهرونه أيضا (وَما مِنْ غائِبَةٍ) أي من خصلة غائبة (فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) يعني جميع ما أخفاه عن خلقه وغيبه عنهم (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) أي إلّا وهو مبين في اللوح المحفوظ وقيل : أراد أن جميع أفعالهم محفوظة عنده غير منسية كما يقول القائل : أفعالك عندي مكتوبة ، أي محفوظة عن أبي مسلم والجبائي.
٧٦ ـ ٨٥ ـ ثم ذكر سبحانه من الحجج ما يقوّي قلب نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) أي يخبرهم بالصدق (أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) من حديث مريم وعيسى ، والنبي المبشر به في التوراة حيث قال بعضهم : هو يوشع وقال بعضهم لا بل هو منتظر لم يأت بعد ، وغير ذلك من الأحكام ؛ وكان ذلك معجزة لنبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ كان لا يدرس كتبهم ولا يقرؤها ثم أخبرهم بما فيها (وَإِنَّهُ) يعني القرآن (لَهُدىً) أي دلالة على الحق (وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي نعمة لهم (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ) يريد بين المختلفين في الدين يوم القيامة ، وأشار بذلك إلى شيئين (أحدهما) ان الحكم له فلا ينفذ حكم غيره ، فيوصل إلى كل ذي حقّ حقّه (والآخر) أنه وعد المظلوم بالإنتصاف من الظالم (وَهُوَ الْعَزِيزُ) القادر على ما يشاء لا يمتنع عليه شيء (الْعَلِيمُ) بالمحق والمبطل ، فيجازي كلّا بحسب عمله. وفي هذه الآية تسلية للمحقين من الذين خولفوا في أمور الدين ، وان أمرهم يؤول إلى أن يحكم بينهم رب العالمين. ثم خاطب سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) يا محمد (إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) أي الواضح البين الظاهر ، والمحق أولى بالتوكل من المبطل المدغل. والمراد بهذا الخطاب سائر المؤمنين وإن كان في الظاهر لسيّد المرسلين. ثم شبّه الكفار بالموتى فقال (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) يقول : كما لا تسمع الميت الذي ليس له آلة السمع النداء كذلك لا تسمع الكافر النداء ، لأنه لا يسمع ولا يقبل الموعظة ولا يتدبر فيها (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) إنما قال ذلك لأن الأصم إذا كان قريبا
__________________
قال أمير المؤمنين عليهالسلام : وعليكم بكتاب الله فإنه الحبل المتين ، والنور المبين ، والشفاء النافع ، والريّ الناقع والعصمة للمتمسك ، والنجاة للمتعلق ؛ لا يعوجّ فيقام ، ولا يزيغ فيستعتب ولا تخلقه كثرة الرد وولوج السمع ؛ من قال به صدق ، ومن عمل به سبق. نهج البلاغة. خطبة : ١٥٢.