فالإنسان يطمع في اسماعه ، فإذا أعرض وأدبر وتباعد انقطع الطمع في اسماعه ؛ فجعل سبحانه المصمم على الجهل كالميت في أنه لا يقبل الهدى ، وكالأصم في أنه لا يسمع الدعاء (وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) في الدين بالآيات الدالة على الهدى إذا أعرضوا عنها ، كما لا يمكنك أن تهدي الأعمى إلى قصد الطريق. جعل سبحانه الجهل بمنزلة العمى لأنه يمنع عن ادراك الحق كما يمنع العمى من ادراك المبصرات (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) أي ما يسمع إلا من يطلب الحق بالنظر في آياتنا (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) أي مستسلمون منقادون. جعل سبحانه استماعهم وقبولهم الحق سماعا وتركهم للقبول تركا للسماع ، وقيل : مسلمون أي موحّدون مخلصون (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) أي وجب العذاب والوعيد عليهم ، وقيل معناه : إذا صاروا بحيث لا يفلح أحد منهم ولا أحد بسببهم عن مجاهد وقيل معناه : إذا غضب الله عليهم عن قتادة (أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ) تخرج بين الصفا والمروة فتخبر المؤمن بأنه مؤمن ، والكافر بأنه كافر ، وعند ذلك يرتفع التكليف ولا تقبل التوبة ، وهو علم من أعلام الساعة وقيل : لا يبقى مؤمن إلا مسحته ، ولا يبقى منافق إلا خطمته ؛ تخرج ليلة جمع والناس يسيرون إلى منى ، وعن حذيفة عن النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : دابة الأرض طولها ستّون ذراعا ، لا يدركها طالب ، ولا يفوتها هارب ، فتسم المؤمن بين عينيه وتكتب بين عينيه مؤمن ، وتسم الكافر بين عينيه وتكتب بين عينيه كافر ، ومعها عصا موسى وخاتم سليمان ، فتجلو وجه المؤمن بالعصا ، وتختم أنف الكافر بالخاتم حتى يقال : يا مؤمن ويا كافر ، وقوله (تُكَلِّمُهُمْ) أي تكلمهم بما يسوءهم وهو أنهم يصيرون إلى النار بلسان يفهمونه (أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) معناه : بكلامها وخروجها (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي يدفعون (حَتَّى إِذا جاؤُ) إلى موقف الحساب (قالَ) الله تعالى لهم (أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي) أي كذّبتم بأنبيائي ودلالاتي الدالة على ديني (وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً) أي لم تطلبوا معرفتها ، ولم تبيّنوا ما أوجب الله عليكم فيها (أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) حين لم تبحثوا عنها ، ولم تتفكروا في صحتها ، يقول ذلك تبكيتا وتجهيلا أي هذا كان الواجب عليكم فتركتموها ولم تعرفوها حق معرفتها فبماذا اشتغلتم؟ (وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) أي وجب العذاب عليهم (بِما ظَلَمُوا) أي بظلمهم إذ صاروا بحيث لا يفلح أحد منهم ، (فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ) لعظم ما يشاهدونه ، وهول ما يرونه.
٨٦ ـ ٩٣ ـ ثم بيّن سبحانه قدرته على الإعادة والبعث بما احتجّ به على الكفار فقال : (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ) عن التعب والحركات (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) أي يبصر فيه ويمكن التصرف فيه لضيائه ، ويدرك بنوره جميع الأشخاص كما يدرك بنور البصر (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) أي دلالات (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) لأن جعل الشيء لما يصلح له من الإنتفاع إنما يكون بالإختيار ولا يكون بالطباع (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) واذكر يوم ينفخ إسرافيل بأمر الله تعالى في الصور ، وذلك اليوم الذي يقع عليهم القول بما ظلموا (فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) أي ماتوا لشدة الخوف والفزع ، يدل عليه قوله في موضع آخر : (فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ) الآية (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) من الملائكة الذين يثبت الله قلوبهم وهم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل (وَكُلٌ) من الأحياء الذين ماتوا ثم أحيوا (أَتَوْهُ) أي يأتونه في المحشر (داخِرِينَ) أي أذلاء صاغرين (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً) أي واقفة مكانها لا تسير ولا تتحرك في مرأى العين (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) أي تسير سيرا حثيثا مثل سير السحاب ، أي تحسب أنهم وقوف من أجل كثرتهم والتفافهم فكذلك المعنى في الجبال ، انك لا ترى