وسكن بكاؤه ، وقيل : إن فرعون قال لأمّه : كيف ارتضع منك ولم يرتضع من غيرك؟ فقالت : لأني امرأة طيّبة الريح ، طيّبة اللبن ، لا أكاد أئتى بصبيّ إلا ارتضع منّي ، فسرّ فرعون بذلك (وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) أراد به ما وعدها الله به في الآية المتقدمة بقوله : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) تحقيق ذلك الوعد كما علمت (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) أي ثلاثا وثلاثين سنة (وَاسْتَوى) أي بلغ أربعين سنة ، عن مجاهد وقتادة وابن عباس (آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) أي فقها وعلما وعقلا بدينه ودين آبائه ، فعلم موسى وحكم قبل أن يبعث نبيا (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) وهذه الآية مفسرة في سورة يوسف (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ) يريد مصر (عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) أراد به نصف النهار والناس قائلون (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ) أي يختصمان في الدين (هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) أي أحدهما إسرائيلي والآخر قبطي يسخّر الإسرائيلي ليحمل حطبا إلى مطبخ فرعون ، وقيل : كان أحدهما مسلما والآخر كافرا (فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) أي استنصره لينصره عليه (فَوَكَزَهُ مُوسى) أي دفع في صدره بجمع كفه (فَقَضى عَلَيْهِ) أي فقتله وفرغ من أمره (قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) قال الحسن : لم يكن يحل قتل الكافر يومئذ لأن الحال كانت حال الكف عن القتال ، وقيل معناه : ان الأمر الذي وقع القتل بسببه من عمل الشيطان ، أي حصل بوسوسة الشيطان ، وقال المرتضى : يريد أن عمل المقتول من عمل الشيطان ، يبين بذلك أنه مخالف لله تعالى ، مستحق للقتل. ثم وصف الشيطان فقال : (إِنَّهُ عَدُوٌّ) لبني آدم (مُضِلٌّ مُبِينٌ) ظاهر العداوة والإضلال.
١٦ ـ ٢٠ ـ ثم حكى سبحانه أن موسى عليهالسلام حين قتل القبطي ندم على ذلك (قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) في هذا القتل فإنهم لو علموا بذلك لقتلوني. وقال المرتضى قدّس الله روحه العزيز : إنما قاله على سبيل الإنقطاع والرجوع إلى الله تعالى ، والإعتراف بالتقصير عن أداء حقوق نعمه ، أو من حيث حرم نفسه الثواب المستحق بفعل الندب (فَاغْفِرْ لِي) معناه : قول آدم عليهالسلام : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) ، وقبول الإستغفار والتوبة قد يسمى غفرانا (فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ) لعباده (الرَّحِيمُ) بهم ، المنعم عليهم (قالَ) موسى (رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَ) أي بنعمتك عليّ من المغفرة ، وصرف بلاء الأعداء عني (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) المعنى : فلك عليّ ألا أكون مظاهرا ومعينا للمشركين عن ابن عباس ، وفي هذا دلالة على أن مظاهرة المجرمين جرم ومعصية ومظاهرة المؤمنين طاعة وإنما ظاهر موسى عليهالسلام من كان ظاهره الإيمان وخالف من كان ظاهره الكفر (فَأَصْبَحَ) موسى في اليوم الثاني (فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً) من قبل القبطي (يَتَرَقَّبُ) أي ينتظر الأخبار في قتل القبطي عن ابن عباس ، يعني أنه خاف من فرعون وقومه أن يكونوا عرفوا أنه هو الذي قتل القبطي ، فكان يتجسس وينتظر الأخبار في شأنه (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) معناه : ان الإسرائيلي الذي كان قد خلّصه بالأمس ، ووكز القبطي من أجله يستصرخ موسى ويستعين به على رجل آخر من القبط خاصمه قال ابن عباس : لما فشا أمر قتل القبطي قيل لفرعون : ان بني إسرائيل قتلت منا رجلا قال : أتعرفون قاتله ومن يشهد عليه؟ قالوا لا : فأمرهم بطلبه ، فبينا هم يطوفون إذ مرّ موسى من الغد وأتى ذلك الإسرائيلي يطلب نصرته ويستغيث به (قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) أي ظاهر الغواية ، حيث قاتلت بالأمس رجلا ، وتقاتل اليوم الآخر ، ولم يرد الغواية في الدين ، والمراد أن من خاصم آل فرعون مع كثرتهم فإنه غوي : أي خائب فيما يطلبه ، عادل عن الصواب