قتادة وغيره وقيل : أتاها جبرائيل عليهالسلام بذلك وقيل : كان هذا الوحي رؤيا منام ، عن الجبائي (أَنْ أَرْضِعِيهِ) ما لم تخافي عليه الطلب (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ) في القتل الذي أمر به فرعون في أبناء بني إسرائيل (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِ) أي في البحر وهو النيل (وَلا تَخافِي) عليه الضيعة (وَلا تَحْزَنِي) من فراقه (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) سالما عن قريب (وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) والأنبياء. وفي هذه الآية أمران ونهيان ، وخبران ، وبشارتان ، وحكي أن بعضهم سمع بدوية تنشد أبياتا فقال لها : ما أفصحك! فقالت : الفصاحة لله تعالى وذكرت هذه الآية وما فيها (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) أي أصابوه وأخذوه من غير طلب (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) أي ليكون لهم في عاقبة أمره كذلك (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ) أي عاصين ربهم في أفعالهم وكانت القصة في ذلك : أن النيل جاء بالتابوت إلى موضع فيه فرعون وامرأته على شط النيل ، فأمر فرعون فأتي به ، وفتحت آسية بنت مزاحم بابه فلما نظرت إليه ألقى الله في قلبها محبة موسى ، وكانت آسية بنت مزاحم امرأة من بني إسرائيل استنكحها فرعون وهي من خيار النساء ، ومن بنات الأنبياء ، وكانت أما للمؤمنين ترحمهم وتتصدق عليهم ويدخلون عليها ، فلما نظر فرعون إلى موسى غاظه ذلك وقال : كيف أخطأ هذا الغلام الذبح؟ قالت آسية وهي قاعدة إلى جنبه : هذا الوليد أكبر من ابن سنة ، وانك أمرت أن يذبح الولدان لهذه السنة ، فدعه يكن قرة عين لي ولك وذلك قوله تعالى : (وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) وإنما قالت ذلك لأنه لم يكن له ولد فأطمعته في الولد. قال ابن عباس : ان أصحاب فرعون لما علموا بموسى جاؤوا ليقتلوه فمنعتهم وقالت لفرعون : قرة عين لي ولك لا تقتلوه قال فرعون : قرة عين لك وأما لي فلا (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) ان هذا هو المطلوب الذي يطلبونه (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً) أي خاليا من كل شيء إلّا من ذكر موسى ، أي صار فارغا له (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) معناه : انها كادت تبدي بذكر موسى فتقول : يا ابناه ، من شدّة الغم والوجد ، معناه : كادت تصيح على ابنها شفقة عليه من الغرق (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) بالصبر واليقين ؛ والربط على القلب : الهام الصبر وتقويته ، والتقدير : لولا أن ربطنا على قلبها لأظهرته (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي فعلنا ذلك لتكون من جملة المصدقين بوعدنا ، الواثقين بوحينا وقولنا : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ).
١١ ـ ١٥ ـ (وَقالَتْ) يعني أم موسى (لِأُخْتِهِ) يعني أخت موسى (قُصِّيهِ) أي اتبعي أثره ، وتعرفي خبره (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ) في الكلام اقتصار تقديره : فذهبت أخت موسى فوجدت آل فرعون قد أخرجوا التابوت وأخرجوا موسى ، فبصرت به ؛ وهذا من الإيجاز الدال على الإعجاز باللفظ القليل على المعنى الكثير ، أي فرأت أخاها عن جنب ، أي عن بعد (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أي وآل فرعون لا يشعرون أنها أخته (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ) المعنى : أنه لا يؤتى بمرضع فيقبلها ، وتأويله : منعناهن منه وبغضناهن إليه (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل مجيء أخته (فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ) وهذا يدلّ على أن الله تعالى ألقى محبته في قلب فرعون ، فلشدة محبته ، وغاية شفقته عليه طلب له المراضع ، وكان موسى لا يقبل ثدي واحدة منهن بعد أن أتته مرضع بعد مرضع ، فلما رأت أخته وجدهم به ، وحبهم له ، ورقّتهم عليه ، قالت لهم : هل أدلّكم على أهل بيت يقبلون هذا الولد ، ويبذلون النصح في أمره ، ويحسنون تربيته (وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) يشفقون عليه وينصحونه (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ) يعني عين أمه ؛ وانطلقت أخت موسى إلى أمها فجاءت بها إليهم ، فلما وجد موسى ريح أمه قبل ثديها