بني إسرائيل ، ثم من سبط موسى وهو ابن خالته ، (فَبَغى عَلَيْهِمْ) أي استطال عليهم بكثرة كنوزه ، وقيل : كان عاملا لفرعون على بني إسرائيل فكان يبغي عليهم ويطالبهم لما كانوا بمصر (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ) قال عطا : أصاب كنزا من كنوز يوسف (ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) أي أعطيناه من الأموال المدخرة قدر الذي ينيء مفاتحه العصبة ، والمفاتح هنا الخزائن في قول أكثر المفسرين كما في قوله سبحانه. (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) ، فيكون المراد بمفاتحه : خزائن ماله وقيل : هي المفاتح التي تفتح بها الأبواب. واختلف في معنى العصبة فقيل : ما بين عشرة إلى خمسة عشر ، وقيل ما بين عشرة إلى أربعين ، وقيل : أربعون رجلا ، وقيل : إنهم الجماعة يتعصب بعضهم لبعض (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ) من بني إسرائيل (لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) أي لا تأشر ولا تمرح ولا تتكبر بسبب كنوزك ، إن الله لا يحب من كان بهذه الصفة (وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ) وهذا أيضا من مقالة المؤمنين من قوم قارون له ومعناه : اطلب فيما أعطاك الله من الأموال الدار الآخرة بأن تنفقها في سبيل الخير ، ووجوه البرّ (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) وهو أن تعمل في الدنيا للآخرة ومعناه : لا تنس أن تعمل لآخرتك ، لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا الذي يعمل به لآخرته (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) أي أفضل على الناس كما أفضل الله عليك (وَلا تَبْغِ الْفَسادَ) أي لا تطلب العمل (فِي الْأَرْضِ) بالمعاصي (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) ظاهر المعنى (قالَ) قارون (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) معناه : ان المال حصل له على علم عندي بوجوه المكاسب ، وبما لا يتهيأ لأحد أن يكتسبه من التجارات والزراعات وغيرهما (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ) الكافرة بنعمته (مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً) كقوم عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم. ثم بيّن سبحانه ان اغتراره بماله وعدده من الخطأ العظيم ، لأنه لا ينتفع بذلك عند نزول العذاب به ، كما ان من كانوا أقوى وأغنى منه لم تغن أموالهم وجموعهم عنهم شيئا عند ذلك (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) ان الملائكة تعرفهم بسيماهم فلا يسألون عنهم لعلامتهم ، ويأخذونهم بالنواصي والاقدام فيصيرونهم إلى النار (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ) أي خرج قارون على بني إسرائيل (فِي زِينَتِهِ) التي كان يتزين بها وحشمه وتبعه وقيل : انه خرج في أربعة آلاف دابة عليها أربعة آلاف فارس عليهم وعلى دوابهم الأرجوان (قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) من الكفار والمنافقين وضعيفي الإيمان بما للمؤمنين عند الله من ثواب الجنة لما رأوه في تلك الزينة والجمال (يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) أي ذو نصيب وافر من الدنيا والمعنى : انهم تمنّوا مثل منزلته ومثل ماله (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) وهم المصدّقون بوعد الله المؤمنون (وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) مما أوتي قارون (وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ) أي ولا يلقى مثل هذه الكلمة ولا يوفّق لها إلّا الصابرون على أمر الله (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) قال السدي : دعا قارون امرأة من بني إسرائيل بغيا فقال لها : إني أعطيك ألفين على أن تجيئي غدا إذا اجتمعت بنو إسرائيل عندي فتقولي : يا معشر بني إسرائيل مالي ولموسى قد آذاني قالت : نعم ، فأعطاها خريطتين عليهما خاتمه ، فلما جاءت بيتها ندمت وقالت : يا ويلتي قد عملت كل فاحشة فما بقي إلا أن أفتري على نبيّ الله ، فلما أصبحت أقبلت ومعها الخريطتان حتى قامت بين بني إسرائيل فقالت : ان قارون قد أعطاني هاتين الخريطتين على ان آتي جماعتكم فأزعم أن موسى يراودني عن نفسي ، ومعاذ الله أن أفتري على نبيّ الله ، وهذه دراهمه عليها خاتمه ؛ فعرف بنو إسرائيل خاتم قارون. فغضب موسى فدعا الله عليه فأوحى الله إليه : اني أمرت الأرض أن تطيعك وسلّطتها عليه فمرها ، فقال موسى : يا أرض خذيه وهو