على سريره وفرشه ، فأخذته حتى غيبت سريره ، فلما رأى قارون ذلك ناشده الرحم فقال : خذيه فأخذته حتى غيبت قدميه ، ثم أخذته حتى غيبت ركبتيه ، ثم أخذته حتى غيبت حقويه وهو يناشده الرحم ، فأخذته حتى غيبته ، فأوحى الله إليه يا موسى ناشدك الرحم واستغاثك فأبيت أن تغيثه ، لو إيّاي دعا واستغاثني لأغثته (فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ) أي فما كان له من جماعة منقطعة إليه يدفعون عنه عذاب الله تعالى الذي نزل به. وإنما قال سبحانه ذلك لأنه كان يقدّر مع نفسه الإمتناع بحاشيته وجنوده (وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ) بنفسه لنفسه (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ) حين خرج عليهم في زينته (يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ) وهذه كلمة تندم واعتراف ، يقول القائل إذا تبين له الخطأ : وي كنت على خطأ ، أي قالوا ذلك : ان الله يبسط الرزق لمن يشاء لا لكرامته كما بسط لقارون ، ويقدر أن يضيق على من يشاء لا لهوان لكن بحسب المصلحة (لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا) أي لو لا أنه أنعم علينا بنعمه فلم يعطنا ما أعطى قارون لخسف بنا كما خسف به (وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) أي لا يفوز بثواب الله ، وينجو من عقابه الجاحدون لنعمه ، العابدون معه سواه.
٨٣ ـ ٨٩ ـ (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ) يعني الجنة (نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ) أي تجبّرا وتكبّرا على عباد الله ، واستكبارا عن عبادة الله (وَلا فَساداً) أي عملا بالمعاصي عن ابن جريج ومقاتل ، وروى زاذان عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنه كان يمشي في الأسواق وحده وهو دالّ يرشد الضال ، ويعين الضعيف ، ويمرّ بالبياع والبقال فيفتح عليه القرآن ويقرأ : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً) ويقول : نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة من سائر الناس ؛ قال الكلبي : يعني بقوله : فسادا : الدعاء إلى عبادة غير الله (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) معناه : الجنة لمن اتقى عقاب الله بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) مضى تفسيره (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي لا يزاد في عقابهم على قدر استحقاقهم بخلاف الزيادة في الفضل على الثواب المستحق ، فإنه يكون تفضلا فهو مثل قوله : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) خطاب للنّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والمعنى : ان الذين أوجب عليك الإمتثال بما تضمّنه القرآن وأنزله عليك (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) أي يردّك إلى مكة ، وفي الآية دلالة على صحة النبوة ، لأنه أخبر به من غير شرط ولا استثناء ، وجاء المخبر مطابقا للخبر. قال القتيبي : معاد الرجل بلده لأنه يتصرف في البلاد ثم يعود إليه. ثم ابتدأ سبحانه كلاما آخر فقال (قُلْ) يا محمد (رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى) الذي يستحق به الثواب (وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي ومن لم يجىء بالهدى وضلّ عنه ، أي لا يخفى عليه المؤمن والكافر ، ومن هو على الهدى ومن هو ضال عنه. ثم ذكر نعمه فقال (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ) أي وما كنت يا محمد ترجو فيما مضى أن يوحي الله إليك ويشرفك بإنزال القرآن عليك (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) معناه : إلا أن ربك رحمك وأنعم به عليك ، وأراد بك الخير ، كذلك ينعم عليك بردّك إلى مكة ، فاعرف هذه النعم وقيل معناه : وما كنت ترجو أن تعلم كتب الأولين وقصصهم تتلوها على أهل مكة ولم تشهدها ولم تحضرها بدلالة قوله : (وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) ، أي أنك تتلو على أهل مكة قصص مدين وموسى ولم تكن هناك ثاويا مقيما ، وكذلك قوله : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِ) وأنت تتلو قصصهم وأمرهم ، فهذه رحمة من ربك (فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ) أي : معينا لهم. وفي