سورة لقمان
مكية وعدد آياتها أربع وثلاثون آية
١ ـ ١٠ ـ (الم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) تقدّم تفسيره (هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ) أي بيان ودلالة ونعمة للمطيعين وقيل للموحّدين. وقيل : للذين يحسنون العمل.
(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) يؤدّونها بحدودها وفرائضها (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) يعطون ما فرض الله عليهم في أموالهم (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ) أي بالدار الآخرة ؛ وإنّما وصفت بالآخرة لتأخرها عن الدنيا ، كما سميت الدنيا لدنوها من الخلق ، وقيل لدناءتها (هُمْ يُوقِنُونَ) يعلمون ؛ وسمّي العلم يقينا لحصول القطع عليه ، وسكون النفس إليه لما وصفت المتقين بهذه الصفات بيّن ما لهم عند الله تعالى فقال : (أُولئِكَ) اشارة إلى الموصوفين بجميع الصفات المتقدمة وهم جملة المؤمنين (عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) على دلالة وبيان من ربّهم ، وإنّما قال من ربّهم لأنّ كل خير وهدى فمن الله تعالى ، إمّا لأنه فعله ، وإما لأنه عرض له بالدلالة عليه ، والدعاء إليه ، والإثابة على فعله (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الظافرون بالبغية ، والباقون في الجنّة. ثم وصف الذين حالهم تخالف حال هؤلاء فقال : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) أي باطل الحديث ، وأكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث الغناء ، وهو قول ابن عباس وابن مسعود وغيرهما ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن الرضا عليهمالسلام ، قالوا منه الغناء وروي أيضا عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال : هو الطعن بالحق والإستهزاء به وما كان أبو جهل وأصحابه يجيئون به إذ قال : يا معشر قريش ألا أطعمكم من الزقوم الذي يخوّفكم به صاحبكم ، ثم أرسل إلي زبد وتمر فقال : هذا هو الزقوم الذي يخوّفكم به قال : ومنه الغناء ، فعلى هذا فإنه يدخل فيه كل شيء يلهي عن سبيل الله وعن طاعته من الأباطيل والمزامير والملاهي والمعازف ، ويدخل فيه السخرية بالقرآن ، واللغو فيه كما قاله أبو مسلم ، والترهات والبسابس على ما قاله عطا ، وكل لهو ولعب على ما قاله قتادة ، والأحاديث الكاذبة ، والأساطير الملهية عن القرآن على ما قاله الكلبي وروى الواحدي بالإسناد عن نافع عن ابن عمر أنه سمع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في هذه الآية (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) قال : باللعب والباطل كثير النفقة سمح فيه ، ولا تطيب نفسه بدرهم يتصدق به وروي أيضا بالإسناد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من ملأ مسامعه من غناء لم يؤذن له أن يسمع صوت الروحانيين يوم القيامة قيل : وما الروحانيون يا رسول الله؟ قال : قراء أهل الجنة (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي ليضلّ غيره ، ومن أضلّ غيره فقد ضلّ هو ومن قرأ بفتح الياء ، فالمعنى ليصير أمره إلى الضلال وهو ان لم يكن يشتري للضلال فإنه يصير أمره إلى ذلك قال قتادة : يحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق ، وسبيل الله : قراءة القرآن وذكر الله ، عن ابن عباس (بِغَيْرِ عِلْمٍ) معناه : أنه جاهل فيما يفعله لا يفعل عن علم (وَيَتَّخِذَها هُزُواً) أي ويتخذ آيات القرآن هزوا (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) أي مضلّ يهينهم الله به (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا) أي وإذا قرىء عليه القرآن (وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) أي أعرض عن سماعه اعراض من لا يسمعه (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً) أي كأنّ في مسامعه ثقلا يمنعه عن سماع تلك الآيات (فَبَشِّرْهُ) يا محمد (بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أي مؤلم موجع في القيامة. ثم أخبر سبحانه عن صفة المؤمنين المصدقين فقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ) يوم القيامة يتنعمون فيها (خالِدِينَ فِيها) أي مؤبّدين في تلك الجنات (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) أي وعدا وعده الله