١ ـ ٥ ـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي خالقهما مبتدئا على غير مثال سبق ، حمد سبحانه نفسه ليعلمنا كيف نحمده ، وليبيّن لنا أن الحمد كله له (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) إلى الأنبياء بالرسالات والوحي (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) تقدّم تفسيرها ، وإنما جعلهم أولي أجنحة ليتمكّنوا بها من العروج إلى السماء ، ومن النزول إلى الأرض ، فمنهم من له جناحان ، ومنهم من له ثلاثة أجنحة ، ومنهم من له أربعة أجنحة عن قتادة قال ويزيد فيها ما يشاء وهو قوله (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) قال ابن عباس : رأى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جبرائيل ليلة المعراج وله ستمائة جناح ، وهذا اختيار الزجاج والفراء وقيل : أراد بقوله : (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) : حسن الصوت عن الزهري وابن جريج وقيل : هو الملاحة في العينين عن قتادة ، وروى أبو هريرة عن النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : هو الوجه الحسن ، والصوت الحسن ، والشعر الحسن (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لا شيء إلا وهو قادر عليه بعينه أو قادر على مثله. ثم بيّن سبحانه انعامه على خلقه فقال (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) أي ما يأتيهم به من مطر أو عافية أو أيّ نعمة شاء فإن أحدا لا يقدر على امساكه (وَما يُمْسِكْ) من ذلك (فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) أي فإنّ أحدا لا يقدر على ارساله وقيل معناه : ما يرسل الله من رسول إلى عباده في وقت دون وقت فلا مانع له ، لأنّ ارسال الرسول رحمة من الله كما قال : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) ، وما يمسكه في زمان الفترة أو عمن يقترحه من الكفار فلا مرسل له ، عن الحسن ، واللفظ محتمل للجميع (وَهُوَ الْعَزِيزُ) أي القادر الذي لا يعجز (الْحَكِيمُ) في أفعاله إن أنعم وإن أمسك ، لأنه يفعل ما تقتضيه الحكمة. ثم خاطب المؤمنين فقال (يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) الظاهرة والباطنة التي من جملتها انه خلقكم وأوجدكم وأحياكم وأقدركم ، وشهّاكم وخلق لكم أنواع الملاذّ والمنافع (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) هذا استفهام تقرير لهم ومعناه النفي ليقرّوا بأنه لا خالق إلّا الله يرزق من السماء بالمطر ، ومن الأرض بالنبات ، وهل يجوز اطلاق لفظ الخالق على غير الله سبحانه؟ فيه وجهان (أحدهما) انه لا تطلق هذه اللفظة على أحد سواه وإنما يوصف به غيره على جهة التقييد وان جاز اطلاق لفظ الصانع والفاعل نحوهما على غيره (والآخر) ان المعنى : لا خالق يرزق ويخلق الرزق إلّا الله تعالى (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي لا معبود يستحق العبادة سواه سبحانه (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) أي كيف تصرفون عن طريق الحق إلى الضلال وقيل معناه : أنّى يعدل بكم عن هذه الأدلة التي أقمتها لكم على التوحيد مع وضوحها. ثم سلّى سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم عن تكذيب قومه إياه فقال (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) يا محمد (فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) فيجازي من كذّب رسله. وينصر من كذّب من رسله. ثم خاطب الخلق فقال (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ) من البعث والنشور والجنة والنار والجزاء والحساب (حَقٌ) صدق كائن لا محالة (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) فتغترون بملاذّها ونعيمها ، ولا يخدعنكم حبّ الرياسة وطول البقاء فإن ذلك عن قليل نافذ بائد ويبقى الوبال والوزر (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) وهو الذي عادته أن يغر غيره ، والدنيا وزينتها بهذه الصفة لأن الخلق يغترون بها وقيل : إن الغرور الشيطان الذي هو إبليس عن الحسن ومجاهد.
٦ ـ ١٠ ـ ثم انه سبحانه حذّرهم الشيطان فقال (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ) يدعوكم إلى ما فيه الهلاك والخسر ، ويصرفكم عن أفعال الخير والبرّ ويدعوكم إلى الشرّ (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) أي فعادوه ولا تتّبعوه بأن تعملوا على وفق مراده ،