الغفران. ثم حكى عن الكفار فقال (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) يعني كفار مكة حلفوا بالله قبل أن يأتيهم محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم بإيمان غليظة غاية وسعهم وطاقتهم (لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ) أي رسول مخوّف من جهة الله تعالى (لَيَكُونُنَّ أَهْدى) إلى قبول قوله واتباعه (مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) الماضية يعني اليهود والنصارى والصابئين (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ) محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (ما زادَهُمْ) مجيئه (إِلَّا نُفُوراً) أي تباعدا عن الهدى ، وهربا من الحق والمعنى : انهم ازدادوا عند مجيئه نفورا (اسْتِكْباراً) أي تكبّرا وتجبّرا وعتوّا على الله ، وأنفة من أن يكونوا تبعا لغيرهم (فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ) أي وقصد الضرر بالمؤمنين ، والمكر السيء : كل مكر أصله الكذب والخديعة ، وكان تأسيسه على فساد ، لأن من المكر ما هو حسن ، وهو مكر المؤمنين بالكافرين إذا حاربوهم من الوجه الذي يحسن أن يمكروا بهم ، والمراد به ها هنا المكر برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبأهل دينه واضيف المصدر إلى صفة المصدر فالتقدير ومكروا المكر السيء بدلالة قوله (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) والمعنى : لا ينزل جزاء المكر السّيّىء إلا بمن فعله (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) أي فهل ينتظرون إلّا عادة الله تعالى في الأمم الماضية أن يهلكهم إذا كذّبوا رسله ، وينزل بهم العذاب ، ويحلّ عليهم النقمة جزاء على كفرهم وتكذيبهم ، فإن كانوا ينتظرون ذلك (فَلَنْ تَجِدَ) يا محمد (لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً) أي لا يغيّر الله عادته من عقوبة من كفر نعمته ، وجحد ربوبيته ولا يبدّلها (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) فالتبديل تصيير الشيء مكان غيره والتحويل : تصيير الشيء في غير المكان الذي كان فيه والتغيير : تصيير الشيء على خلاف ما كان (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أي ألم يسر هؤلاء الكفار الذين أنكروا اهلاك الله الأمم الماضية في الأرض (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي كيف أهلك الله المكذّبين من قبلهم مثل قوم لوط وعاد وثمود فيعتبروا بهم (وَكانُوا) وكان أولئك (أَشَدَّ مِنْهُمْ) أي من هؤلاء (قُوَّةً وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ) أي لم يكن الله يفوته شيء (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً) بجميع الأشياء (قَدِيراً) على ما لا نهاية له. ثم منّ سبحانه على خلقه بتأخيره العقاب عنهم فقال (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا) من الشرك والتكذيب لعجّل لهم العقوبة وهو قوله (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) والضمير عائد إلى الأرض وان لم يجر لها ذكر لدلالة الكلام على ذلك والعلم الحاصل به (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي يمهلهم إلى وقت معلوم مسمى وهو يوم القيامة ، وقيل : إلى وقت يعلمه الله تعالى انه لا يكون في بقائهم فيه مصلحة لأنهم لا يؤمنون ، ولا يخرج من نسلهم مؤمن ، وانما يؤخرهم تفضلا منه سبحانه ليراجعوا التوبة ، أو لما في ذلك من المصلحة. وقيل : ان معنى الآية : لو يؤاخذهم بذنبهم لحبس المطر عنهم حتى تهلك كل دابة ، عن السدي وعكرمة (سؤال) متى قيل : إن المكلّف الظالم يستحق العقوبة بظلمه فما بال الحيوانات تؤخذ بغير جرم؟ (فجوابه) ان العذاب للظالم عقوبة ، ولغير الظالم عبرة ومحنة ، فيكون كالأمراض النازلة بالأولياء وغير المكلّفين فيعوّضون عنها ، وقيل معناه : لو هلك الآباء بكفرهم لم يوجد الأبناء ، وقيل : انه إذا هلك الظلمة ولم يبق مكلّف لا يبقى غيرهم من الحيوانات (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً) أي هو بصير بمكانهم فيؤاخذهم حيث كانوا وقيل : بصيرا بأعمالهم فيجازيهم عليها.