على ما عملوه في الدنيا ، أي وكل الماضين والباقين مبعوثون للحساب والجزاء. ثم قال سبحانه (وَآيَةٌ لَهُمُ) أي ودلالة وحجة قاطعة لهم على قدرتنا على البعث (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها) أي الأرض القحطة المجدبة التي لا تنبت أحييناها بالنبات (وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا) أي كل حبّ يتقوتونه مثل الحنطة والشعير والأرز وغيرها من الحبوب (فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) أي فمن الحب يأكلون (وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ) أي بساتين (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) وإنما خصّ النوعين لكثرة أنواعهما ومنافعهما (وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ) أي وفجّرنا في تلك الأرض الميتة ، أو في تلك الجنات عيونا من الماء ليسقوا بها الكرم والنخيل. ثم بيّن سبحانه انه إنما فعل ذلك (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) أي من ثمر النخيل ، والمعنى : غرضنا نفعهم بذلك وانتفاعهم بأكل ثمار الجنات (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) من أنواع الأشياء المتخذة من النخل والعنب الكثيرة منافعها (أَفَلا يَشْكُرُونَ) أي ألا يشكرون الله تعالى على مثل هذه النعم. وهذا تنبيه منه سبحانه لخلقه على شكر نعمائه ، وذكر جميل بلائه.
٣٦ ـ ٤٠ ـ (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) أي تنزيها وتعظيما وبراءة عن السوء للذي خلق الأصناف والأشكال من الأشياء ، فالحيوان على مشاكلة الذكر للأنثى ، وكذلك النخل والحبوب اشكال ، والتين والكرم ونحوهما أشكال ، فلذلك قال (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) أي من سائر النبات (وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ) أي وخلق منهم أولادا أزواجا ذكورا وأناثا (وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) مما في بطون الأرض ، وقعر البحار فلم يشاهدوه ، ولم يتصل خبره بهم (وَآيَةٌ لَهُمُ) أي ودلالة لهم اخرى (اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) أي ننزع منه ونخرج ضوء الشمس فيبقى الهواء مظلما كما كان ، لأن الله سبحانه يضيء الهواء بضياء الشمس ، فإذا سلخ منه الضياء أي كشط وأزيل يبقى مظلما (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) أي داخلون في الليل لا ضياء لهم فيه (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) معناه : ودلالة أخرى لهم الشمس ، وفي قوله : (لِمُسْتَقَرٍّ لَها) : انها تجري إلى أقصى منازلها في الشتاء والصيف لا تتجاوزها والمعنى : ان لها في الارتفاع غاية لا تتجاوزها ولا تنقطع دونها ، ولها في الهبوط غاية لا تتجاوزها ولا تقصر عنها ، فهو مستقرها (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) أي القادر الذي لا يعجزه شيء (الْعَلِيمِ) الذي لا يخفى عليه شيء (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) وهي ثمانية وعشرون منزلا ، ينزل كل يوم وليلة منزلة منها لا يختلف حاله في ذلك إلى ان يقطع الفلك (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) أي عاد في آخر الشهر دقيقا كالعذق اليابس العتيق ، وإنما شبّهه سبحانه بالعذق لأنه إذا مضت عليه الأيام جفّ وتقوّس فيكون أشبه شيء بالهلال (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) في سرعة سيره لأن الشمس أبطأ سيرا من القمر فإنها تقطع منازلها في سنة ، والقمر يقطعها في شهر ، والله سبحانه يجريهما اجراء التدوير ، باين بين فلكيهما ومجاريهما فلا يمكن أن يدرك أحدهما الآخر ما داما على هذه الصفة (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) أي ولا يسبق الليل النهار (وَكُلٌ) من الشمس والقمر والنجوم (فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) يسيرون فيه بانبساط ، وكل ما انبسط في شيء فقد سبح فيه.
٤١ ـ ٥٠ ـ (وَآيَةٌ لَهُمْ) أي وحجة وعلامة لهم على اقتدارنا (أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) يعني آباءهم وأجدادهم الذين هؤلاء من نسلهم (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) يعني سفينة نوح المملوءة من الناس وما يحتاج اليه من فيها فسلموا من الغرق ، فانتشر منهم بشر كثير. ويسمّى الآباء ذرية من ذرء الله الخلق ، لأن الأولاد خلقوا منهم ، وسمّي الأولاد ذرية من ذرء الله الخلق ، لأن الأولاد خلقوا منهم ، وسمّي الأولاد ذرية لأنهم خلقوا من الآباء ، عن الضحاك وقتادة وجماعة من المفسرين (وَخَلَقْنا