٢١ ـ ٣٠ ـ ثم ذكر سبحانه تمام الحكاية عن الرجل الذي جاءهم من أقصى المدينة فقال (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً) أي وقال لهم : اتبعوا معاشر الكفار من لا يطلبون منكم الأجر ، ولا يسألونكم أموالكم على ما جاؤكم به من الهدى (وَهُمْ) مع ذلك (مُهْتَدُونَ) إلى طريق الحق ، سالكون سبيله ، فلما قال هذا أخذوه ورفعوه إلى الملك فقال له الملك : أفأنت تتبعهم؟ فقال (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) أي وأيّ شيء لي إذا لم أعبد خالقي الذي أنشأني ، وأنعم عليّ وهداني (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أي تردّون عند البعث فيجزيكم بكفركم. ثم انكر اتخاذ الأصنام وعبادتها فقال (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) أعبدهم (إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ) أي ان أراد الله إهلاكي والاضرار بي (لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) أي لا تدفع ولا تمنع شفاعتهم عنّي شيئا والمعنى : لا شفاعة لهم فتغني (وَلا يُنْقِذُونِ) أي ولا يخلصوني من ذلك الهلاك أو الضرر والمكروه (إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي إني إن فعلت ذلك في عدول عن الحق واضح ؛ والوجه في هذا الاحتجاج : ان العبادة لا يستحقها إلّا الله سبحانه المنعم بأصول النعم ، وبما لا توازيه نعمة منعم (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ) الذي خلقكم وأخرجكم من العدم إلى الوجود (فَاسْمَعُونِ) أي فاسمعوا قولي واقبلوه (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) قيل : إنهم قتلوه إلّا أن الله سبحانه أحياه وأدخله الجنة ، فلما دخلها (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) تمنى أن يعلم قومه بما أعطاه الله تعالى من المغفرة وجزيل الثواب ليرغبوا في مثله ، وليؤمنوا لينالوا ذلك. وفي تفسير الثعلبي بالإسناد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين : عليّ ابن أبي طالب عليهالسلام ، وصاحب يس ، ومؤمن آل فرعون ، فهم الصدّيقون وعليّ أفضلهم (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) أي من المدخلين الجنة ، والإكرام : هو إعطاء المنزلة الرفيعة على وجه التبجيل والإعظام ، ثم حكى سبحانه ما أنزله بقومه من العذاب والإستئصال فقال (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ) أي من بعد رفعه (مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ) يعني الملائكة ، أي لم ننتصر منهم بجند من السماء ولم ننزل لإهلاكهم بعد قتلهم الرسل جندا من السماء يقاتلونهم (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) أي وما كنّا ننزلهم على الأمم إذا أهلكناهم. ثم بيّن سبحانه بأيّ شيء كان هلاكهم فقال (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) أي كان إهلاكهم عن آخرهم بأيسر أمر صيحة واحدة حتى هلكوا بأجمعهم (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) أي ساكنون قد ماتوا ، إنهم لما قتلوا حبيب بن مري النجار غضب الله عليهم فبعث جبرئيل حتى أخذ بعضادتي باب المدينة ثمّ صاح بهم صيحة فماتوا عن آخرهم ، لا يسمع لهم حسّ كالنار إذا طفئت (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) معناه : يا ندامة على العباد في الآخرة باستهزائهم بالرسل في الدنيا. ثم بيّن سبب الحسرة فقال (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) وهذا من قول الله سبحانه والمعنى : انهم حلّوا محلّ من يتحسّر عليه ، والحسرة : أن يركب الإنسان من شدّة الندم ما لا نهاية بعده حتى يبقى قلبه حسيرا.
٣١ ـ ٣٥ ـ ثم خوّف سبحانه كفار مكة فقال (أَلَمْ يَرَوْا) أي ألم يعلم هؤلاء الكفار (كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) أي كم قرنا أهلكناهم مثل عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) والمعنى : ألم يروا ان القرون التي أهلكناهم لا يرجعون إليهم ، أفلا يعتبرون بهم؟ ويسمى أهل كل عصر قرنا لاقترانهم في الوجود (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) معناه : ان الأمم يوم القيامة يحضرون فيقفون