١١ ـ ٢٠ ـ لمّا أخبر سبحانه عن أولئك الكفار انهم لا يؤمنون ، وانهم سواء عليهم الإنذار ، وترك الإنذار عقّبه بذكر حال من ينتفع بالإنذار فقال (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) والمعنى : إنما ينتفع بإنذارك وتخويفك من اتّبع القرآن ، لأن نفس الإنذار قد حصل للجميع (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) أي في حال غيبته عن الناس بخلاف المنافق (فَبَشِّرْهُ) أي فبشّر يا محمد من هذه صفته (بِمَغْفِرَةٍ) من الله لذنوبه (وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) أي ثواب خالص من الشوائب. ثم أخبر سبحانه عن نفسه فقال (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) في القيامة للجزاء (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا) من طاعتهم ومعاصيهم في دار الدنيا (وَآثارَهُمْ) أعمالهم التي صارت سنّة بعدهم يقتدى فيها بهم حسنة كانت أم قبيحة وقيل معناه : ونكتب خطاهم إلى المسجد ، وسبب ذلك ما رواه أبو سعيد الخدري : ان بني سلمة كانوا في ناحية من المدينة ، فشكوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد منازلهم من المسجد ، والصلاة معه ، فنزلت الآية (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) أي وأحصينا وعدّدنا كل شيء من الحوادث في كتاب ظاهر وهو اللوح المحفوظ ؛ والوجه في كتاب ظاهر وهو اللوح المحفوظ ؛ والوجه في احصاء ذلك فيه اعتبار الملائكة به اذ قابلوا به ما يحدث من الأمور ، فيكون فيه دلالة على معلومات الله سبحانه على التفصيل ، وقيل : أراد به صحائف الأعمال ، وسمي ذلك مبينا لأنه لا يدرس أثره ثم قال سبحانه لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً) معناه : واذكر لهم مثلا (أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) وهذه القرية انطاكية (إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) أي حين بعث الله إليهم المرسلين (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ) أي رسولين من رسلنا (فَكَذَّبُوهُما) أي فكذّبوا الرسولين قال ابن عباس : ضربوهما وسجنوهما (فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) أي فقوّيناهما وشددنا ظهورهما برسول ثالث ؛ مأخوذ من العزة وهي القوة والمنعة (فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) أي قالوا لهم : يا أهل القرية إن الله أرسلنا إليكم (قالُوا) يعني أهل القرية (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) فلا تصلحون للرسالة كما لا نصلح نحن لها (وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ) تدعوننا إليه (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ) أي ما أنتم إلا كاذبون فيما تزعمون ، اعتقدوا أن من كان مثلهم في البشرية لا يصلح أن يكون رسولا ، وذهب عليهم أن الله عزّ اسمه يختار من يشاء لرسالته ، وانه علم من حال هؤلاء صلاحهم للرسالة وتحمّل أعبائها (قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) وإنما قالوا ذلك بعد ما قامت الحجة بظهور المعجزة فلم يقبلوها ؛ ووجه الاحتجاج بهذا القول انهم الزموهم بذلك النظر في معجزاتهم ليعلموا انهم صادقون على الله ، ففي ذلك تحذير شديد (وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي وليس يلزمنا إلا أداء الرسالة والتبليغ (قالُوا) أي قال هؤلاء الكفار في جواب الرسل حين عجزوا عن ايراد شبهة ، وعدلوا عن النظر في المعجزة (إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ) أي تشاء منا بكم (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا) عمّا تدّعونه من الرسالة (لَنَرْجُمَنَّكُمْ) بالحجارة (وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ قالُوا) يعني الرسل (طائِرُكُمْ مَعَكُمْ) أي الشؤم كله معكم بإقامتكم على الكفر بالله تعالى ، فأما الدعاء إلى التوحيد وعبادة الله تعالى ففيه غاية البركة والخير واليمن (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) معناه : ان ذكرناكم هددتمونا (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) معناه : ليس فينا ما يوجب التشاؤم بنا ولكنكم متجاوزون في الحدّ في التكذيب للرسل والمعصية ، والإسراف : الإفساد ومجاوزة الحدّ (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) وكان اسمه حبيب النجار ، وكان قد آمن بالرسل عند ورودهم القرية ، وكان منزله عند أقصى باب من أبواب المدينة ، فلما بلغه أن قومه قد كذّبوا الرسل ، وهمّوا بقتلهم جاء يعدو ويشتدّ (قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) الذين أرسلهم الله إليكم وأقروا برسالتهم.