أهوال القيامة (قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) أي من حشرنا من منامنا الذي كنّا فيه نياما ثم يقولون (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) فيما أخبرونا عن هذا المقام وهذا البعث. قال قتادة : أوّل الآية للكافرين ، وآخرها للمسلمين ، قال الكافرون : ((يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا)) وقال المسلمون ((هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ)). ثم أخبر سبحانه عن سرعة بعثهم فقال (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) أي لم تكن المدّة إلا مدة صيحة واحدة (فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) أي فإذا الأولون والآخرون مجموعون في عرصات القيامة ، محصلون في موقف الحساب ، ثم حكى سبحانه ما يقوله يومئذ للخلائق فقال (فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) أي لا ينقص من له حق شيئا من حقّه من الثواب أو العوض أو غير ذلك ، ولا يفعل به ما لا يستحقه من العقاب ، بل الأمور جارية على مقتضى العدل وذلك قوله (وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ثم ذكر سبحانه أولياءه فقال (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ) شغلهم النعيم الذي شملهم وغمرهم بسروره عما فيه أهل النار من العذاب فلا يذكرونهم ، ولا يهتمون بهم وإن كانوا أقاربهم ، وقيل : شغلهم في الجنة سبعة أنواع من الثواب لسبعة أعضاء : فثواب الرجل بقوله : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ) ، وثواب اليد : يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ، وثواب الفرج : وحور عين ، وثواب البطن : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً) الآية ، وثواب اللسان : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ) الآية ، وثواب الاذن : لا يسمعون فيها لغوا ونظائرها ، وثواب العين : وتلذّ الأعين (فاكِهُونَ) أي فرحون. ثم أخبر سبحانه عن حالهم فقال (هُمْ وَأَزْواجُهُمْ) أي هم وحلائلهم في الدنيا ممن وافقهم على إيمانهم في أستار عن وهج الشمس وسمومها ، فهم في مثل تلك الحال الطيبة من الظلال التي لا حرّ فيها ولا برد (فِي ظِلالٍ) أشجار الجنة وقيل في ظلال تسترهم من نظر العيون (عَلَى الْأَرائِكِ) وهي السرر عليها الحجال (مُتَّكِؤُنَ) أي جالسون جلوس الملوك إذ ليس عليهم من الأعمال شيء (لَهُمْ فِيها) أي في الجنة (فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ) أي ما يتمنون ويشتهون ، يعني ان أهل الجنة كلما يدعونه يأتيهم. ثم بيّن سبحانه ما يشتهون فقال (سَلامٌ) أي لهم سلام ، ومنى أهل الجنة أن يسلم الله عليهم (قَوْلاً) أي يقوله الله قولا (مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) ان الملائكة تدخل عليهم من كل باب يقولون : سلام عليكم من ربكم الرحيم. ثم ذكر سبحانه أهل النار فقال (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) أي يقال لهم : انفصلوا معاشر العصاة واعتزلوا من جملة المؤمنين معناه : ان لكل كافر بيتا في النار يدخل فيردم بابه لا يرى ولا يرى عن الضحاك. ثم خصّهم سبحانه بالتوبيخ فقال (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ) أي ألم آمركم على ألسنة الأنبياء والرسل في الكتب المنزلة (أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ) أي لا تطيعوا الشيطان فيما يأمركم به (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ) أي وقلت لكم ان الشيطان لكم عدو (مُبِينٌ) ظاهر عدواته عليكم ، يدعوكم إلى ما فيه هلاككم.
٦١ ـ ٦٥ ـ ثم قال سبحانه في حكايته ما يقوله الكفار يوم القيامة (وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) فوصف عبادته بأنه طريق مستقيم من حيث كان طريقا إلى الجنة. ثم ذكر سبحانه عداوة الشيطان ببني آدم فقال (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً) أي أضلّ الشيطان عن الدين خلقا كثيرا منكم بأن دعاهم إلى الضلال ، وحملهم على الضلال وأغواهم (أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) انه يغويكم ويصدّكم عن الحقّ فتنبهون عنه ؛ صورته استفهام ومعناه : الإنكار عليهم ، والتبكيت لهم وفي هذا بطلان مذهب أهل الجبر في ان الله أراد اضلالهم ولو كان كما قالوه لكان ذلك أضرّ عليهم وانكر من إرادة الشيطان ذلك (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) بها في دار التكليف حاضرة