لكم تشاهدونها (اصْلَوْهَا الْيَوْمَ) أي الزموا العذاب بها ، وأصل الصلاء اللزوم ، ومنه المصلي الذي يجيء في أثر السابق للزومه أثره (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) جزاء لكم على كفركم بالله ، وتكذيبكم أنبياءه (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ) هذا حقيقة الختم ، فتوضع على أفواه الكفار يوم القيامة فلا يقدرون على الكلام والنطق (وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ) بما عملوا (وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي نستنطق الأعضاء التي كانت لا تنطق في الدنيا لتشهد عليهم ، ونختم على أفواههم التي عهد منها النطق. وكيفية شهادة الجوارح على وجوه (أحدها) ان الله تعالى يخلقها خلقة يمكنها ان تتكلم وتنطق وتعترف بذنوبها (وثانيها) ان الله تعالى يجعل فيها كلاما وإنما نسب الكلام إليها لأنه لا يظهر إلّا من جهتها (وثالثها) ان معنى شهادتها وكلامها أن الله تعالى يجعل فيها من الآيات ما يدل على أن أصحابها عصوا الله بها ، فسمّى ذلك شهادة منها كما يقال : عيناك تشهدان بسهرك وقد ذكرنا أمثال ذلك فيما سلف.
٦٦ ـ ٧٠ ـ ثم أخبر سبحانه عن قدرته على إهلاك هؤلاء الكفار الذي جحدوا وحدانيته فقال (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) معناه : لتركناهم عميا يتردّدون (فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ) أي فطلبوا طريق الحق وقد عموا عنه (فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) أي فكيف يبصرون؟ (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ) أي على مكانهم الذي هم فيه قعود والمعنى : ولو نشاء لعذّبناهم بنوع آخر من العذاب فأقعدناهم في منازلهم ممسوخين قردة وخنازير (فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ) أي فلم يقدروا على ذهاب ولا مجيء لو فعلنا ذلك بهم. وهذا كله تهديد هدّدهم الله به ، ثم قال سبحانه (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) أي من نطوّل عمره نصيّره بعد القوة إلى الضعف ، وبعد زيادة الجسم إلى النقصان ، وبعد الجدة والطراوة إلى البلى والخلوقة ، فكأنه نكس خلقه (أَفَلا يَعْقِلُونَ) أي أفلا تتدبّرون في أن الله تعالى يقدر على الإعادة كما قدر على ذلك. ثم أخبر سبحانه عن نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) يعني قول الشعر (وَما يَنْبَغِي لَهُ) أن يقول الشعر من عند نفسه (إِنْ هُوَ) أي من الذي أنزلناه عليه (إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) من عند رب العالمين ، ليس بشعر ولا رجز ولا خطبة ، والمراد بالذكر : انه يتضمن ذكر الحلال والحرام ، والدلالات ، وأخبار الأمم الماضية وغيرها ، وبالقرآن : انه مجموع بعضه إلى بعض ، فجمع سبحانه بينهما لإختلاف فائدتهما (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا) أي من كان عاقلا (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ) أي يجب الوعيد والعذاب على الكافرين بكفرهم.
٧١ ـ ٧٦ ـ ثم عاد الكلام إلى ذكر الأدلة على التوحيد فقال سبحانه (أَوَلَمْ يَرَوْا) معناه : أو لم يعلموا (أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ) أي لمنافعهم (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) أي مما ولينا خلقه بإبداعنا وإنشائنا لم نشارك في خلقه ، ولم نخلقه بإعانة معين ، وإذا قال الواحد منّا عملت هذا بيدي دلّ ذلك على انفراده بعمله من غير أن يكله إلى أحد (أَنْعاماً) يعني الإبل والبقر والغنم (فَهُمْ لَها مالِكُونَ) أي ولو لم نخلقها لما ملكوها ، ولما انتفعوا بها وبألبانها وركوب ظهورها ولحومها وقيل : فهم ضابطون لها قاهرون ، لم نخلقها وحشية نافرة منهم لا يقدرون على ضبطها ، فهي مسخّرة لهم ، وهو قوله : (وَذَلَّلْناها لَهُمْ) أي سخّرناها لهم حتى صارت منقادة (فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ) قسم الأنعام بأن جعل منها ما يركب ، ومنها ما يذبح فينتفع بلحمه ويؤكل (وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ) فمن منافعها لبس أصوافها وأشعارها وأوبارها ، وأكل لحومها ، وركوب ظهورها ، إلى غير ذلك من أنواع المنافع الكثيرة فيها ،