مَوْتِها) أي فأحيا بذلك المطر الأرض بعد يبسها وجفافها (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) أي وفي تصريف الرياح يجعلها مرّة جنوبا ، وأخرى شمالا ، ومرّة صبا ، وأخرى دبورا ، عن الحسن وقيل : يجعلها تارة رحمة وتارة عذابا عن قتادة (آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) وجوه الأدلّة ، ويتدبّرونها فيعلمون انّ لهذه الأشياء مدبّرا حكيما قادرا عليما حيّا غنيّا قديما لا يشبهه شيء.
٦ ـ ١٠ ـ لمّا قدّم سبحانه ذكر الأدلّة عقّب ذلك بالوعيد لمن اعرض عنها ولم يتفكّر فيها فقال (تِلْكَ آياتُ اللهِ) أي ما ذكرناه أدلّة الله التي نصبها لخلقه المكلّفين (نَتْلُوها عَلَيْكَ) أي نقرأها عليك يا محمد لتقرأها عليهم (بِالْحَقِ) دون الباطل ، والتلاوة الإتيان بالثاني في أثر الأول في القراءة ، والحقّ الذي تتلى به الآيات هو كلام مدلوله على ما هو به في جميع أنواعه (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ) معناه : إنّ هؤلاء الكفار ، إن لم يصدّقوا بما تلوناه عليك فبأيّ حديث بعد حديث الله وهو القرآن وآياته يصدّقون ، وبأيّ كلام ينتفعون؟ وهذا إشارة إلى انّ المعاند لا حيلة له ، والفرق بين الحديث الذي هو القرآن وبين الآيات : انّ الحديث قصص يستخرج منه عبر تبيّن الحق من الباطل ، والآيات هي الأدلّة الفاصلة بين الصحيح والفاسد (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) الافّاك الفعّال من الافك : وهو الكذب ، ويطلق ذلك على من يكثر كذبه أو يعظم كذبه ، وان كان في خبر واحد ككذب مسيلمة في ادعاء النبوة والاثيم ذو الإثم وهو صاحب المعصية التي يستحقّ بها العقاب ، والويل : كلمة وعيد يتلقى بها الكفار وقيل : هو واد سائل من صديد جهنّم. ثم وصف سبحانه الأفاك الأثيم بقوله (يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ) أي يسمع آيات القرآن التي فيها الحجة تقرأ عليه (ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً) أي يقيم على كفره وباطله متعظّما عند نفسه عن الانقياد للحق (كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) أصلا في عدم القبول لها ، والاعتبار بها (فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أي مؤلم (وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً) أي وإذا علم هذا الأفاك الأثيم من حججنا وأدلّتنا شيئا استهزأ بها ليري العوام انّه لا حقيقة لها كما فعله أبو جهل حين سمع قوله (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) ، أو كما فعله النضر بن الحارث حين كان يقابل القرآن بأحاديث الفرس (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) أي مذلّ مخز مع ما فيه من الألم (مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) أي من وراء ما هم فيه من التعزّز بالمال والدنيا جهنّم ومعناه : قدّامهم ومن بين أيديهم كقوله : وكان وراءهم ملك ، ووراء اسم يقع على القدّام والخلف ، فما توارى عنك فهو وراءك خلفك كان أو أمامك (وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً) أي لا يغني عنهم ما حصّلوه وجمعوه من المال والولد شيئا من عذاب الله تعالى (وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ) من الآلهة التي عبدوها لتكون شفعاءهم عند الله (وَلَهُمْ) مع ذلك (عَذابٌ عَظِيمٌ).
١١ ـ ١٥ ـ ثمّ قال سبحانه (هذا هُدىً) أي هذا القرآن الذي تلوناه ، والحديث الذي ذكرناه هدى أي دلالة موصلة إلى الفرق بين الحق والباطل من أمور الدين والدنيا (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) وجحدوها (لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) مرّ معناه. ثم نبّه سبحانه خلقه على وجه الدلالة على توحيده فقال (اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ) أي جعله على هيئة لتجري السفن فيه (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) أي ولتطلبوا بركوبه في أسفاركم من الأرباح بالتجارات (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) له هذه النعمة (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي وسخّر لكم مع ذلك معاشر الخلق ما في السماوات من الشمس والقمر والنجوم والمطر والثلج والبرد ، وما في الأرض من الدوابّ والأشجار والنبات والأثمار والأنهار ، ومعنى تسخيرها لنا : انّه تعالى خلقها جميعا لانتفاعنا