وعبر للناس يبصرون بها من أمور دينهم (وَهُدىً) أي دلالة واضحة (وَرَحْمَةٌ) أي ونعمة من الله (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) بثواب الله وعقابه لأنّهم هم المنتفعون به.
٢١ ـ ٢٥ ـ ثم قال سبحانه للكفار على سبيل التوبيخ لهم (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) هذا استفهام انكار معناه : أم حسب الذين اكتسبوا الشرك والمعاصي أن نجعل منزلتهم منزلة الذين صدقوا الله ورسوله ، وحقّقوا أقوالهم بأعمالهم (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) أي يستوي محيا القبيلين ومماتهم ، يعني أحسبوا أنّ حياتهم ومماتهم كحياة المؤمنين وموتهم (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أي ساء ما حكموا على الله تعالى فإنّه لا يسوّي بينهم ، ولا يستقيم ذلك في العقول ، بل ينصر المؤمنين في الدنيا ويمكّنهم من المشركين ، ولا ينصر الكافرين ولا يمكنهم من المسلمين ، وينزل الملائكة عند الموت على المؤمنين بالبشرى ، وعلى الكافرين يضربون وجوههم وأدبارهم (وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) أي لم يخلقهما عبثا وإنما خلقهما لنفع خلقه بأن يكلّفهم ، ويعرضهم للثواب الجزيل (وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) من ثواب على طاعة ، أو عقاب على معصية (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) أي لا يبخسون حقوقهم. ثم قال (أَفَرَأَيْتَ) يا محمد (مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) أي اتخذ دينه ما يهواه فلا يهوى شيئا إلّا ركبه لأنّه لا يؤمن بالله ولا يخافه ، فاتّبع هواه في أموره ، ولا يحجزه تقوى ، فإذا استحسن شيئا وهواه اتخذه إلها ، وكان أحدهم يعبد الحجر ، فإذا رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الآخر (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) أي خذله الله وخلّاه وما اختاره جزاء له على كفره وعناده وقيل : (أَضَلَّهُ اللهُ) : أي وجده ضالا على حسب ما علمه ، فخرج معلومه على وفق ما علمه (وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) فسّرناه في سورة البقرة (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) أي من بعد هداية الله إيّاه والمعنى : إذا لم يهتد بهدى الله بعد ظهوره ووضوحه فلا طمع في اهتدائه (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أي أفلا تتّعظون بهذه المواعظ ؛ وهذا استبطاء بالتذكر منهم ، أي تذكّروا واتّعظوا حتى تحصلوا على معرفة الله تعالى. ثم أخبر سبحانه عن منكري البعث فقال (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) أي ليس الحياة إلّا حياتنا التي نحن فيها في دار الدنيا ، ولا يكون بعد الموت بعث ولا حساب (نَمُوتُ وَنَحْيا) يموت بعضنا ، ويحيا بعضنا كما قال : (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) ، أي ليقتل بعضكم بعضا (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) أي وما يميتنا إلّا الأيام والليالي ، أي مرور الزمان ، وطول العمر ، انكارا منهم للصانع (وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) نفى سبحانه عنهم العلم ، أي إنّما ينسبون ذلك إلى الدهر لجهلهم ، ولو علموا انّ الذي يميتهم هو الله ، وانّه قادر على احيائهم لما نسبوا الفعل إلى الدهر (إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) أي ما هم فيما ذكروه إلّا ظانّون ، وإنما الأمر بخلافه ثم قال سبحانه (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) أي إذا قرأت عليهم حججنا ظاهرات (ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي لم يكن لهم في مقابلتها حجّة إلّا مقالتهم ان كنتم صادقين في ان الله يعيد الأموات ويبعثهم يوم القيامة فأتوا بآبائنا واحيوهم حتى نعلم انّ الله قادر على بعثنا ، وإنّما لم يجبهم الله إلى ذلك لأنّهم قالوا ذلك متعنتين مقترحين لا طالبين الرشد.
٢٦ ـ ٣٠ ـ ثم خاطب سبحانه نبيّه رادّا على الكفار قولهم فقال (قُلِ) يا محمد (اللهُ يُحْيِيكُمْ) في دار الدنيا ، لأنّه لا يقدر على الإحياء أحد سواه لأنّه القادر لنفسه (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) عند انقضاء آجالكم (ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) بأن يبعثكم ويعيدكم أحياء (لا رَيْبَ فِيهِ) أي لا شكّ فيه ، لقيام الحجة عليه ، وإنّما احتج بالإحياء في دار الدنيا لأنّ من قدر على فعل