٢٦ ـ ٣٠ ـ ثم خوّف سبحانه كفار مكّة وذكر فضل عاد بالأجسام والقوة عليهم فقال (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ) أي في الذي ما مكناكم (فِيهِ) والمعنى : في الشيء الذي لم نمكّنكم فيه من قوة الأبدان ، وبسطة الأجسام ، وطول العمر ، وكثرة الأموال ، عن ابن عباس وقتادة ، والمعنى : مكّنّاهم من الطاعات ، وجعلناهم قادرين متمكنين بنصب الأدلة على التوحيد ، والتمكين من النظر إليها والترغيب والترهيب وإزاحة العلل في جميع ذلك (وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً) ثم أخبر سبحانه عن أولئك انهم أعرضوا عن قبول الحجج ، والتفكر فيما يدلهم على التوحيد مع ما أعطاهم الله من الحواس الصحيحة التي بها تدرك الأدلة (فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ) أي لم ينفعهم جميع ذلك لأنّهم لم يعتبروا ذلك ، ولا استعملوا أبصارهم وأفئدتهم في النظر والتدبر (إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ) وأدلّته (وَحاقَ بِهِمْ) أي حلّ بهم جزاء (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى) معناه : ولقد أهلكنا يا أهل مكّة ما حولكم وهم قوم هود وكانوا باليمن ، وقوم صالح بالحجر ، وقوم لوط على طريقهم إلى الشام (وَصَرَّفْنَا الْآياتِ) تصريف الآيات تصييرها تارة في الإعجاز ، وتارة في الإهلاك ، وتارة في التذكير بالنعم وتارة في التذكير بالنقم ، وتارة في وصف الأبرار ليقتدى بهم ، وتارة في وصف الفجّار ليجتنب مثل فعلهم (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي لكي يرجعوا عن الكفر (فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً) أي فهلا نصر هؤلاء المهلكين الذين اتخذوهم آلهة ، وزعموا انهم يعبدونهم تقربا إلى الله تعالى ثم لم ينصروهم ، لأنّ هذا استفهام إنكار (بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ) أي ضلّت الآلهة وقت الحاجة إليها فلم تنفعهم عند نزول العذاب بهم (وَذلِكَ إِفْكُهُمْ) أي اتّخاذهم الآلهة دون الله (وَما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي يكذبون من انها آلهة. ثم بيّن سبحانه ان في الجنّ مؤمنين وكافرين كما في الإنس فقال (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) معناه : واذكر يا محمد اذ وجّهنا اليك جماعة من الجن تستمع القرآن ، وقيل معناه صرفناهم إليك عن بلادهم بالتوفيق والألطاف حتى أتوك وقيل : صرفناهم إليك عن استراق السمع من السماء برجوم الشهب ولم يكونوا بعد عيسى قد صرفوا عنه فقالوا : ما هذا الذي حدث في السماء إلا من أجل شيء قد حدث في الأرض ، فضربوا في الأرض حتى وقفوا على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ببطن نخلة عامدا إلى عكاظ وهو يصلّي الفجر ، فاستمعوا القرآن ونظروا كيف يصلّي ، عن ابن عباس وسعيد بن جبير ، وعلى هذا فيكون الرمي بالشهب لطفا للجن (فَلَمَّا حَضَرُوهُ) أي حضروا القرآن أو النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (قالُوا أَنْصِتُوا) أي قال بعضهم لبعض : اسكتوا لنستمع إلى قراءته فلا يحول بيننا وبين القرآن شيء (فَلَمَّا قُضِيَ) أي فرغ من تلاوته (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ) أي انصرفوا إلى قومهم (مُنْذِرِينَ) أي محذّرين إياهم عذاب الله إن لم يؤمنوا (قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى) يعنون القرآن (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) أي لما تقدمه من الكتب (يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) أي يرشد إلى دين الحق ويدل عليه ، ويدعو إليه (وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) يؤدي بسالكه إلى الجنة.
٣١ ـ ٣٥ ـ ثمّ بيّن سبحانه تمام خبر الجن فقال حاكيا عنهم (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) يعنون محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ دعاهم إلى توحيده ، وخلع الأنداد دونه (وَآمِنُوا بِهِ) أي بالله (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) أي فإنّكم إن آمنتم بالله