(وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها) أي انتفعتم بها منهمكين فيها وقيل : هي الطيبات من الرزق يقول انفقتموها في شهواتكم وفي ملاذّ الدنيا ، ولم تنفقوها في مرضاة الله. ولمّا وبّخ الله سبحانه الكفار بالتمتّع بالطيبات واللذات في هذه الدار آثر النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمير المؤمنين عليهالسلام الزهد والتقشف ، وروى محمد بن قيس عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام انه قال : والله ان كان عليّ عليهالسلام ليأكل أكلة العبد ، ويجلس جلسة العبد ، وان كان يشتري القميصين فيخيّر غلامه خيرهما ثم يلبس الآخر ، فإذا جاز أصابعه قطعه ، وإذا جاز كعبه حذفه ، ولقد ولي خمس سنين ما وضع آجرّة على آجرّة ، ولا لبنة على لبنة ، ولا أورث بيضاء ولا حمراء ، وان كان ليطعم الناس خبز البرّ واللحم وينصرف إلى منزله فيأكل خبز الشعير والزيت والخلّ ، وما ورد عليه أمران كلاهما لله عزوجل فيه رضى إلّا أخذ بأشدهما على بدنه ، ولقد اعتق ألف مملوك من كدّ يمينه تربت منه يداه ، وعرق فيه وجهه ، وما أطاق عمله أحد من الناس بعده ، وان كان ليصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، وان كان أقرب الناس شبها به عليّ بن الحسين عليهماالسلام (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) أي العذاب الذي فيه الذلّ والخزي والهوان (بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) أي باستكباركم عن الانقياد للحق في الدنيا ، وتكبرهم على أنبياء الله وأوليائه بغير الحق (وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) أي بخروجكم من طاعة الله إلى معاصيه.
٢١ ـ ٢٥ ـ ثم قال سبحانه لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَاذْكُرْ) يا محمد لقومك أهل مكّة (أَخا عادٍ) يعني هودا (إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ) أي خوّفهم بالله تعالى ، ودعاهم إلى طاعته (بِالْأَحْقافِ) وهو واد بين عمان ومهرة (وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) أي وقد مضت الرسل من قبل هود (ع) ومن بعده (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) أي إني لم أبعث قبل هود ولا بعده إلا بالأمر بعبادة الله وحده (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) وتقدير الكلام : إذ أنذر قومه بالاحقاف فقال : (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) الآية ثم حكى ما أجاب به قومه بقوله (قالُوا أَجِئْتَنا) يا هود (لِتَأْفِكَنا) أي لتلفتنا وتصرفنا (عَنْ آلِهَتِنا) أي عن عبادة آلهتنا (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) من العذاب (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) ان العذاب نازل بنا (قالَ) هود (إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) هو يعلم متى يأتيكم العذاب لا أنا (وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ) إليكم ، أي وأنا أبلّغكم ما أمرت بتبليغه إليكم (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) حيث لا تجيبون إلى ما فيه صلاحكم ونجاتكم ، وتستعجلون العذاب الذي فيه هلاككم ، وهذا لا يفعله إلّا الجاهل بالمنافع والمضار (فَلَمَّا رَأَوْهُ) مما يوعدون (عارِضاً) أي سحابا يعرض في ناحية من السماء ثم يطبق السماء (مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) قالوا : كانت عاد قد حبس عنهم المطر أيّاما فساق الله إليهم سحابة سوداء خرجت عليهم من واد لهم يقال له : المغيث ، فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم استبشروا (قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) أي سحاب ممطر إيانا ، فقال هود (ع) (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) أي ليس هو كما توهّمتم ، بل هو الذي وعدتكم به وطلبتم تعجيله ، ثم فسره فقال (رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ) أي هو ريح فيها عذاب مؤلم (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها) أي تهلك كل شيء مرت به من الناس والدواب والأموال ؛ واعتزل هود ومن معه في حظيرة لم يصبهم من تلك الريح إلّا ما تلين على الجلود ، وتلتذّ به الأنفس ، وانها لتمر من عاد بالظعن ما بين السماء والأرض حتى ترى الظعينة كأنها جرادة (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) وما عداها قد هلك (كَذلِكَ) أي مثل ما أهلكنا أهل الأحقاف وجازيناهم بالعذاب (نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) أي الكافرين الذين يسلكون مسالكهم.